Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 91-93)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } وهو إشارة إلى مفاسدهما الدنيوية { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ } إشارة إلى مفاسدهما الدينية ، وتخصيصُهما بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال للتنبـيه على أن المقصود بـيانُ حالهما ، وذكرُ الأصنام والأزلام للدلالة على أنهما مثلُهما في الحرمة والشرارة لقوله عليه الصلاة والسلام : " شارب الخمر كعابد الوثن " وتخصيصُ الصلاة بالإفراد مع دخولها في الذكر للتعظيم والإشعار بأن الصادَّ عنها كالصادِّ عن الإيمان لما أنها عِمادُه ، ثم أعيد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتَّباً على ما تقدم من أصناف الصوارف ، فقيل : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } أيذاناً بأن الأمر في الزجر والتحذير وكشفِ ما فيهما من المفاسد والشرور قد بلغ الغاية وأن الأعذارَ قد انقطعت بالكلية . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } عطف على اجتنبوه أي أطيعوهما في جميع ما أمرا به ونهيا عنه { وَٱحْذَرُواْ } أي مخالفتَهما في ذلك فيدخل فيه مخالفةُ أمرِهما ونهْيِهما في الخمر والميسر دخولاً أولياً { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي أعرضتم عن الامتثال بما أُمرتم به من الاجتناب عن الخمر والميسر وعن طاعة الله تعالى وطاعةِ رسوله عليه الصلاة والسلام والاحترازِ عن مخالفتهما { فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه وخرج عن عُهدة الرسالة أيَّ خروج ، وقامت عليكم الحجة وانتهت الأعذار وانقطعت العلل ، وما بقي بعد ذلك إلا العقاب . وفيه من عظم التهديد وشدة الوعيد ما لا يخفى ، وأما ما قيل من أن المعنى فاعلموا أنكم لم تضُروا بتولِّيكم الرسولَ لأنه ما كُلّف إلا البلاغَ المبـينَ بالآيات وقد فعل ؛ وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كُلِّفتموه ، فلا يساعده المقام ، إذ لا يُتوهم منهم ادعاءُ أنهم بتوليهم يضرونه عليه الصلاة والسلام حتى يردَ عليهم بأنهم لا يضرونه وإنما يضرون أنفسهم . { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ } أي إثم وحرج { فِيمَا طَعِمُواْ } أي تناولوا أكلاً أو شرباً فإن استعماله في الشرب أيضاً مستفيضٌ ، منه قولُه تعالى : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى } [ البقرة ، الآية 249 ] قيل : ( لما أنزل الله تعالى تحريم الخمر بعد غزوة الأحزاب قال رجال من أصحاب النبـي عليه الصلاة والسلام : أصيب فلان يوم بدر وفلان يوم أحد وهم يشربونها ، ونحن نشهد أنهم في الجنة ) ، وفي رواية أخرى : ( لما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم : يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ؟ ) ، وفي رواية أخرى : ( قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وفعلوا القمار ؟ فنزلت ) ، وليست كلمة ( ما ) في ما طعموا عبارةً عن المباحات الخاصة ، والإلزام تقيـيدُ إباحتها باتقاء ما عداها من المحرمات لقوله تعالى : { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ } واللازمُ منْتفٍ بالضرورة ، بل هي على عمومها موصولةً كانت أو موصوفة ، وإنما تخصصت بذلك القيد الطارىء عليها ، والمعنى ليس عليهم جُناحٌ فيما تناولوه من المأكول والمشروب كائناً ما كان إذا اتقَوْا أن يكون في ذلك شيء من المحرمات ، وإلا لم يكن نفْيُ الجُناح في كل ما طعموه بل في بعضه ولا محذورَ فيه ، إذِ اللازمُ منه تقيـيد إباحة الكل بأن لا يكون فيه محرم لا تقيد إباحة بعضه باتقاء بعضٍ آخرَ منه كما هو اللازم من الأول { وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } أي واستمروا على الإيمان والأعمال الصالحة ، وقوله تعالى : { ثُمَّ اتَّقَواْ } عطف على ( اتقوا ) داخلٌ معه في حيِّز الشرط ، أي اتقوا ما حُرّم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحاً فيما سبق { وَءامَنُواْ } أي بتحريمه ، وتقديم الاتقاء عليه إما للاعتناء به أو لأنه الذي يدل على التحريم الحادث الذي هو المؤمَنُ به ، أو واستمروا على الإيمان { ثُمَّ اتَّقَواْ } أي ما حرم عليهم بعد ذلك مما كان مباحاً من قبل ، على أن المشروط بالاتقاء في كل مرة إباحةُ كل ما طعِموه في ذلك الوقت لا إباحةُ كل ما طعموه قبله ، لانتساخ إباحةِ بعضِه حينئذ { وَأَحْسِنُواْ } أي عملوا الأعمال الحسنة الجميلة المنتظمة لجميع ما ذكر من الأعمال القلبـية والقالبـية ، وليس تخصيص المرات بالذكر لتخصيص الحكم بها ، بل لبـيان التعدد والتكرر بالغاً ما بلغ ، والمعنى أنهم إذا اتقوا المحرمات واستمروا على ما هم عليه من الإيمان والأعمال الصالحة ، وكانوا في طاعة الله ومراعاةِ أوامرِه ونواهيه بحيث كلما حرِّم عليهم شيء من المباحات اتقَوْه ، ثم . … وثم … فلا جناح عليهم فيما طعموه في كل مرة من المطاعم والمشارب ، إذ ليس فيها شيء محرم عند طُعْمِه . وأنت خبـير بأن ما عدا اتقاءِ المحرمات من الصفات الجميلة المذكورة لا دخْلَ لها في انتفاء الجُناح ، وإنما ذكرت في حيز ( إذا ) شهادةً باتصاف الذين سُئل عن حالهم بها ، ومدحاً لهم بذلك وحمداً لأحوالهم ، وقد أشير إلى ذلك حيث جُعلت تلك الصفاتُ تبعاً للاتقاء في كل مرةٍ تميـيزاً بـينها وبـين ما له دخل في الحكم ، فإن مَساقَ النظم الكريم بطريق العبارة وإن كان لبـيان حال المتصفين بما ذُكر من النعوت فيما سيأتي بقضية كلمة ( إذا ما ) ، لكنه قد أُخرج مُخْرَجَ الجواب عن حال الماضين لإثبات الحكم في حقهم في ضمن التشريع الكلي على الوجه البرهاني بطريق دلالة النص ، بناءً على كمال اشتهارهم بالاتصاف بها ، فكأنه قيل : ليس عليهم جُناح فيما طعِموه إذْ كانوا في طاعته تعالى مع ما لهم من الصفات الحميدة ، بحيث كلما أمِروا بشيء تلقَّوْه بالامتثال . وإنما كانوا يتعاطَوْن الخمر والميسر في حياتهم لعدم تحريمها إذ ذاك ، ولو حُرما في عصرهم لاتقوهما بالمرة . هذا وقد قيل : التكريرُ باعتبار الأوقات الثلاثة ، أو باعتبار الحالات الثلاث : استعمالِ الإنسان التقوىٰ بـينه وبـين نفسه ، وبـينه وبـين الناس ، وبـينه وبـين الله عز وجل ، ولذلك جيءَ بالإحسان في الكرة الثالثة بدلَ الإيمان إشارةً إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسيره ، أو باعتبار المراتب الثلاث : المبدأ والوسط والمنتهى ، أو باعتبار ما يُتَّقى ، فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقياً من العقاب ، والشبُهاتِ توقياً من الوقوع في الحرام ، وبعضَ المباحات حفظاً للنفس عن الخِسة وتهذيباً لها عن دنَس الطبـيعة ، وقيل : التكريرُ لمجرد التأكيد كما في قوله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ التكاثر ، الآية 3 ، 4 ] ونظائرِه ، وقيل : المرادُ بالأول اتقاءُ الكفر ، وبالثاني اتقاءُ الكبائر ، وبالثالث اتقاءُ الصغائر . ولا ريب في أنه تعلَّقَ لهذه الاعتبارات بالمَقام فأَحسِنِ التأمل { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } تذيـيلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله أبلغَ تقرير .