Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 84-84)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } عطفٌ على قوله [ تعالى ] : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا } الخ ، فإن عطفَ كلَ من الجملة الفعلية والاسميةِ على الأخرى مما لا نزاعَ في جوازه ولا مَساغ لعطفه على ( آتيناها ) ، لأن له محلاً من الإعراب نصْباً ورفعاً حسبما بُـيِّن من قبلُ ، فلو عُطف هذا عليه لكان في حُكمه من الحالية والخبرية المستدعيتين للرابط ولا سبـيلَ إليه هٰهنا { كَلاَّ } مفعولٌ لِمَا بعده ، وتقديمُه عليه للقصر ، لكن لا بالنسبة إلى غيرهما مطلقاً ، بل بالنسبة إلى أحدهما أي كلُّ واحدٍ منهما { هَدَيْنَا } لا أحدَهما دون الآخَر ، وتركُ ذكر المُهْدَىٰ إليه لظهور أنه الذي أوتيَ إبراهيمُ وأنهما مقتدِيان به { وَنُوحاً } منصوبٌ بمضمر يفسِّره { هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } أي من قبلِ إبراهيمَ عليه السلام ، عَدَّ هُداه نعمةً على إبراهيمَ عليه السلام لأن شرفَ الوالدِ سارٍ إلى الولد { وَمِن ذُرّيَّتِهِ } الضمير لإبراهيمَ ، لأن مَساقَ النظمِ الكريم لبـيانِ شؤونه العظيمةِ من إيتاءِ الحجةِ ورفعِ الدرجاتِ وهبةِ الأولادِ الأنبـياءِ وإبقاءِ هذه الكرامةِ في نسله إلى يوم القيامة ، كلُّ ذلك لإلزام مَنْ ينتمي إلى ملتِه عليه السلامُ من المشركين واليهود ، وقيل : لنوحٍ ، لأنه أقربُ ، ولأن يونُسَ ولوطاً ليسا من ذرِّية إبراهيمَ ، فلو كان الضميرُ له لاختصَّ بالمعدودين في هذه الآية والتي بعدها ، وأما المذكورون في الآية الثالثةِ فعطفٌ على ( نوحاً ) وروي عن ابن عباس أن هؤلاءِ الأنبـياءَ كلَّهم مُضافون إلى ذرِّية إبراهيمَ وإن كان منهم من لم يلْحَقه بولادةٍ من قِبَلِ أمَ ولا أب ، لأن لوطاً ابنُ أخي إبراهيم ، والعربُ تجعل العمَّ أباً ، كما أخبر الله تعالى عن أبناءِ يعقوبَ أنهم قالوا : { نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [ البقرة ، الآية 133 ] مع أن إسماعيل عمُّ يعقوب . { دَاوُدَ وَسُلَيْمَـٰنَ } منصوبان بمُضمرٍ مفهومٍ مما سبق وكذا ما عُطف عليهما ، وبه يتعلق ( من ذريته ) وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بشأنه مع ما في المفاعيلِ من نَوْع طولٍ ربما يُخلُّ تأخيرُه بتجاوب النظم الكريم ، أي وهدينا من ذريته داودَ وسليمان { وَأَيُّوبَ } هو ابنُ أموصَ من أسباطِ عيصِ بنِ إسحاقَ { وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } أو بمحذوفٍ وقع حالاً من المذكورين أي وهديناهم حال كونهم من ذريته { وَكَذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما يُفهم من النظم الكريم من جزاءِ إبراهيمَ عليه السلام ، ومحلُّ الكاف النصبُ على أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، وأصلُ التقدير { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } جزاءً مثلَ ذلك الجزاءِ ، والتقديمُ للقصر ، وقد مر تحقيقُه مراراً ، والمرادُ بالمحسنين الجنسُ ، وبمماثلة جزائِهم لجزائه عليه السلام مطلقُ المشابهةِ في مقابلةِ الإحسانِ بالإحسان والمكافأةِ بـين الأعمال والأجْزِية من غير بخسٍ لا المماثلةُ من كل وجه ، ضرورةَ أن الجزاءَ بكثرةِ الأولاد الأنبـياءِ مما اختص به إبراهيمُ عليه السلام ، والأقربُ أن لامَ المحسنين للعهد ، وذلك إشارةٌ إلى مصدر الفعل الذي بعده ، وهو عبارةٌ عما أوتيَ المذكورون من فنُون الكرامات ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو طبقتِه ، والكافُ لتأكيد ما أفاده اسمُ الإشارة من الفخامة ، ومحلُّها في الأصل النصبُ على أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ وأصل التقدير ونجزي المحسنين المذكورين جزاء كائناً مثل ذلك الجزاء فقدم الفعل لإفادة القصر واعتبرت الكاف مُقحَمةٌ للنكتة المذكورة ، فصارَ المشارُ إليه نفسَ المصدر المؤكد لا نعتاً له ، أي وذلك الجزاءَ البديعَ نجزي المحسنين المذكورين لا جزاءً آخرَ أدنى منه ، والإظهارُ في موضع الإضمارِ للثناء عليهم بالإحسان الذي هو عبارةٌ عن الإتيان بالأعمال الحسنة على الوجه اللائق الذي هو حُسْنُها الوصفيُّ المقارِنُ لحُسنها الذاتي ، وقد فسَّره عليه الصلاة والسلام بقوله : " أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك " والجملة اعتراضٌ مقرِّرٌ لما قبلها .