Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 87-89)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَمِنْ ءابَائِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوٰنِهِمْ } إما متعلقٌ بما تعلق به ( من ذريته ) ومن ابتدائية ، والمفعول محذوف ، أي وهدينا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم جماعاتٍ كثيرةً ، وإما معطوف على ( كلاًّ ) ومن تبعيضية ، أي وفضلنا بعضَ آبائهم الخ { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ } عطفٌ على ( فضلنا ) أي اصطفيناهم { وَهَدَيْنَـٰهُمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } تكريرٌ للتأكيدِ وتمهيدٌ لبـيان ما هُدوا إليه . { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما يُفهم من النظم الكريم من مصادرِ الأفعال المذكورة وقيل : ما دانوا به ، وما في ذلك من معنى البُعد لما مر مراراً { هُدَى ٱللَّهِ } الإضافة للتشريف { يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } وهم المستعدّون للهداية والإرشاد ، وفيه إشارةٌ إلى أنه تعالى متفضِّلٌ بالهداية { وَلَوْ أَشْرَكُواْ } أي هؤلاءِ المذكورون { لَحَبِطَ عَنْهُمْ } مع فضلهم وعلوِّ طبقاتِهم { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من الأعمال المَرْضيّة الصالحة ، فكيف بمَنْ عداهم وهُم هُم وأعمالُهم أعمالُهم { أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى المذكورين من الأنبـياء الثمانيةَ عشَرَ ، والمعطوفين عليهم عليهم السلام باعتبار اتصافِهم بما ذُكر من الهداية وغيرِها من النعوت الجليلةِ الثابتةِ لهم ، وما فيه من معنى البعد لما مرّ غيرَ مرة من الإيذان بعلوِّ طبقتهم وبُعْدِ منزلتهم في الفضل والشرف ، وهو مبتدأ خبرُه قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جنسَ الكتاب المتحقِّقِ في ضمن أيِّ فردٍ كان من أفراد الكتب السماوية ، والمرادُ بإتيانِه التفهيمُ التام ، بما فيه من الحقائق ، والتمكينُ من الإحاطةِ بالجلائلِ والدقائق أعمُّ من أن يكون ذلك بالإنزال ابتداءً ، أو بالإيراث بقاءً ، فإن المذكورين لم يُنْزَلْ على كل واحد منهم كتابٌ معين { وَٱلْحُكْمَ } أي الحِكمةَ أو فصلَ الأمر على ما يقتضيه الحقُّ والصواب { وَٱلنُّبُوَّةَ } أي الرسالة { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } أي بهذه الثلاثة أو بالنبوة الجامعة للباقين { هَـؤُلاء } أي كفارُ قريشٍ فإنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من القرآن كافرون بما يصدِّقه جميعاً ، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على الفاعل لما مر مراراً من الاهتمام بالمقدَّم والتشويق إلى المؤخّر { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا } أي أمَرْنا بمراعاتها ووفَّقْنا للإيمان بها والقيامِ بحقوقها { قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } أي في وقت من الأوقات ، بل مستمرون على الإيمان بها ، فإن الجملةَ الاسميةَ الإيجابـية كما تفيد دوامَ الثبوت كذلك السلبـيةُ تُفيدُ دوامَ النفي بمعونةِ المقام ، لا نفيَ الدوام كما حُقِّق في مقامه ، قال ابنُ عباس ومجاهدٌ رضي الله تعالى عنهما : هم الأنصارُ وأهلُ المدينة ، وقيل : أصحابُ النبـي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : كل مؤمن من بني آدم ، وقيل : الفرس ، فإن كلاًّ من هؤلاء الطوائف موَفّقون للإيمان بالأنبـياء وبالكتب المُنْزَلة إليهم ، عاملون بما فيها من أصول الشرائعِ وفروعِها الباقية في شريعتنا ، وبه يتحقق الخروجُ عن عُهدة التوكيل والتكليفِ دون المنسوخة منها ، فإنها بانتساخها خارجة عن كونها من أحكامها ، وقد مر تحقيقُه في تفسير سورة المائدة . وقيل : هو الأنبـياءُ المذكورون ، فالمرادُ بالتوكيل الأمرُ بما هو أعمُّ من إجراء أحكامِها كما هو شأنُها في حق كتابهم ومِنِ اعتقاد حقِّيتِها كما هو شأنُها في حق سائرِ الكتبِ التي من جملتها القرآنُ الكريم ، وقيل : هم الملائكةُ فالتوكيل هو الأمرُ بإنزالها وحفظِها واعتقادِ أحقّيتها ، وأياً ما كان فتنكيرُ ( قوماً ) للتفخيم . والباء الأولى صلة وكلنا على مفعوله الصريح ، فلِما ذكر آنفاً من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ، ولأن فيه نوعَ طولٍ ربما يؤدِّي تقديمُه إلى الإخلال بتجاوب النظم الكريم ، أو إلى الفصلِ بـين الصفةِ والموصوف ، وجوابُ الشرط محذوفٌ يدل عليه المذكور ، أي فإن يكفُرْ بها هؤلاءِ فلا اعتدادَ به أصلاً ، فقد وفّقنا للإيمان بها قوماً فِخاماً ليسوا بكافرين بها قطعاً ، بل مستمرون على الإيمان بها ، والعملِ بما فيها ، ففي إيمانهم بها مندوحةٌ عن إيمان هؤلاء ، ومن هذا تبـيّن أن الوجه أن يكونَ المرادُ بالقوم إحدى الطوائفِ المذكورة ، إذْ بإيمانهم بالقرآن والعملِ بأحكامه تتحقّقُ الغُنية عن إيمان الكَفَرة به والعملِ بأحكامه وأما الأنبـياءُ والملائكةُ عليهم السلام فإيمانُهم به ليس من قبـيل إيمانِ آحادِ الأمةِ كما أشير إليه .