Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 38-39)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يأيها الذين آمنوا } رجوعٌ إلى حث المؤمنين وتجريدِ عزائمِهم على قتال الكفرةِ إثرَ بـيان طرَفٍ من قبائحهم الموجبةِ لذلك { مَا لَكُمْ } استفهامٌ فيه معنى الإنكارِ والتوبـيخ { إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ } تباطأتم وتقاعستم أصلهُ تثاقلتم وقد قرىء كذلك ، أي أيُّ شيءٍ حصل أو حاصلٌ لكم أو ما تصنعون حين قال لكم النبـيُّ صلى الله عليه وسلم : « انفِروا » أي اخرُجوا إلى الغزو في سبـيل الله متثاقلين ، على أن الفعلَ ماضٍ لفظاً مضارعٌ معنىً كأنه قيل : تتثاقلون ، فالعاملُ في الظرف الاستقرارُ المقدرُ في لكم أو معنى الفعلِ المدلولِ عليه بذلك ويجوز أن يعملَ فيه الحالُ أي ما لكم متثاقلين حين قيل لكم : انفِروا وقرىء أَثّاقلتم على الاستفهام الإنكاريِّ التوبـيخيِّ ، فالعاملُ في الظرف حينئذ إنما هو الأول { إِلَى ٱلأَرْضِ } متعلقٌ باثاقلتم على تضمينه معنى المَيْلِ والإخلادِ أي اثاقلتم مائلين إلى الدنيا وشهواتِها الفانيةِ عما قليل ، وكرِهتم مشاقَّ الغزوِ ومتاعبَه المستتبِعةَ للراحة الخالدة ، كقوله تعالى : { أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [ الأعراف : 176 ] أو إلى الإقامة بأرضكم وديارِكم وكان ذلك في غزوة تبوكَ في سنة عشرٍ بعد رجوعِهم من الطائف استُنفِروا في وقت عُسرةٍ وقَحطٍ وقَيْظ ، وقد أدركت ثمارُ المدينة وطابت ظلالُها مع بعد الشُّقةِ وكثرةِ العدوِّ فشق عليهم ذلك ، وقيل : ما خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا ورَّى بغيرها إلا في غزوة تبوكَ فإنه عليه الصلاة والسلام بـيّن لهم المقصِدَ فيها ليستعدوا لها { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وغرورِها { مِنَ ٱلأَخِرَةِ } أي بدلَ الآخرة ونعيمِها الدائم { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أظهر في مقام الإضمارِ لزيادة التقرير أي فما التمتعُ بها وبلذائذها { فِى ٱلأَخِرَةِ } أي في جنب الآخرة { إِلاَّ قَلِيلٌ } أي مستحقَرٌ لا يُؤبَه له ، وفي ترشيح الحياةِ الدنيا بما يُوذِن بنفاستها ويستدعي الرغبةَ فيها وتجريدِ الآخرة عن مثل ذلك مبالغةٌ في بـيان حقارة الدنيا ودناءتِها وعِظَمِ شأن الآخرةِ وعلوِّها { إِلاَّ تَنفِرُواْ } أي إن لا تنفِروا إلى ما استُنفرتم إليه { يُعَذّبُكُم } أي الله عز وجل { عَذَاباً أَلِيماً } أي يُهلكْكم بسبب فظيعٍ هائل كقَحط ونحوِه { وَيَسْتَبْدِلْ } بكم بعد إهلاكِكم { قَوْماً غَيْرَكُمْ } وصفهم بالمغايرة لهم لتأكيد الوعيدِ والتشديد في التهديد بالدِلالة على المغايرةِ الوصفيةِ والذاتيةِ المستلزِمة للاستئصال ، أي قوماً مطيعين مُؤْثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامِكم كأهل اليمنِ وأبناءِ فارسَ ، وفيه من الدِلالة على شدة السُّخط ما لا يخفى { وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا } أي لا يقدح تثاقلُكم في نُصرة دينِه أصلاً فإنه الغنيُّ عن كل شيءٍ في كل شيءٍ ، وقيل : الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل وعده بالعصمة والنصرةِ وكان وعدُه مفعولاً لا محالة { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيقدر على إهلاككم والإتيانِ بقوم آخرين .