Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 153-154)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذْ تُصْعِدُونَ } الإشارة من هذه الآية لأقوام تقع لهم فترة ، ودواعي الحق سبحانه - من أنفسهم ، ومن جميع الأقطار حتى كأنّ الأحجارَ من الشوارع واللَّبِنَ من الجدران - تناديه : لا تفعل يا عبد الله ! وهو مُصِرٌّ في ليِّه ، مقيمٌ على غيِّه ، جاحد لِمَا يعلم أنه هو الأحقُّ والأولى من حاله ، فإذا قضى وطره واستوفى بهمته ، فلا محالة يمسك من إرسال عنانه ، ويقف عن ركضه في ميدانه ، فلا يحصل إلا على أنفاس متصاعدة ، وحسراتٍ متواترة ؛ فأورثه الحقُّ - سبحانه - وحشةً على وحشة . حتى إذا طال في التحسُّر مقامه تداركه الحق - سبحانه - بجميل لطفه ، وأقبل عليه بحسن عطفه ، وأنقذه من ضيق أسره ، ونقله إلى سعة عفوه وفضله ، وكثيرٌ مِنْ هؤلاء يصلون إلى محل الأكابر ثم يقفون بالله لله ( … ) ويقومون بالله لله بلا انتظار تقريب ولا ملاحظة ترحيب . قال تعالى : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } : فأهل التحقيق والتوحيد يصلون بعد فتراتهم إلى القول بتَرْكِ أنفسهم ، وغَسلِ أيديهم منهم ، ورفع قلوبهم عنهم فيعيشون بالله لله ، بلا ملاحظة طمع وطلبة ، بل على عقيدة اليأس عن كل شيء . عليه أكّدُوا العهد ، وبدَّلُوا اللحظ ، وتركوا كل نصيب وحظ ، وهذه صفة مَنْ أنزل عليه الأمَنةَ . فأمَّا الطائفة التي أهمتهم أنفسهم - فبقوا في وحشة نفوسهم ، ومِنْ عاجل عقوبتهم سوءُ عقيدتهم في الطريقة بعد إيمانهم بها ؛ قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 110 ] . والإشارة في قوله تعالى : { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } لهؤلاء أنهم يتحيَّرون في أمرهم فلا إقبال لهم على الصواب بالحقيقة ، ولا إعراض بالكلية ، يحيلون فترتهم على سوء اختيارهم ، ويضيفون صفوة - لو كانت لقلوبهم - إلى اجتهادهم ، وينسَوْن ربَّهم في الحالين ، فلا يبصرون تقدير الحق سبحانه . قال تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } : فَمَنْ عَرَفَ أن المنشئ الله انسلخ عن اختياره وأحواله كانسلاخ الشَّعْرِ عن العجين ، وسَلَّمَ أموره إلى الله بالكلية . وأمارة مَنْ تحقق بذلك أن يستريح من كدِّ تدبيره ، ويعيش في سعة شهود تقديره . وقوله : { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } : لم يُخْلِصُوا في عقائدهم ، وأضمروا خلاف ما أظهروا وأعلنوا غير ما ستروا ، وأحالوا الكائنات على أسبابٍ توهموها . قال تعالى : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } . أخبر أن التقدير لا يُزَاحَم ، والقَدَر لا يُكابَرَ ، وأن الكائناتِ محتومة ، وأن الله غالب على أمره . وقوله : { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } : فأمّا أهل الحقائق فإنه تعالى ينتزع من قلوبهم كل آفةٍ وحجبة ، ويستخلص أسرارهم بالإقبال والزلفة ، فتصبح قلوبهم خالصةً من الشوائب ، صافيةً عن العلائق ، منفردةً للحق ، مجرَّدَةً عن الخلق ، مُحَرَّرة عن الحظِّ والنَّفْس ، ظاهرةً عليها آثارُ الإقبال ، غالباً عليها حُسْنُ التَوَلِّي ، باديةً فيها أنوارُ التجلي .