Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 37-37)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله جلّ ذكره : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } . حيث بَلَّغَها فوق ما تَمَنَّتْ أمها ، ويقال تقبَّلها بقبول حسنٍ حتى أفردها لطاعته ، وتولاّهَا بما تَولَّى به أولياءه ، حتى أفضى جمع مَنْ في عصرها العَجَبَ من حُسْنِ توليه أمرها ، وإن كانت بنتاً . ويقال القبولُ الحَسَنُ حُسْنُ تربيته لها مع علمه - سبحانه - بأنه يُقال فيه بسببها ما يُقال ، فلم يُبالِ بِقُبْح مقال الأعداء . @ أجد الملامة في هواكِ لذيذةً حُبَّاً لذكرك فليلمني اللُّوَمُ @@ وكما قيل : @ ليقل من شاء ما شاء فإني لا أُبالي @@ ويقال القبول الحسن أَنْ ربّاها على نعت العصمة حتى كانت تقول : { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [ مريم : 18 ] . { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } حتى استقامت على الطاعة ، وآثرت رضاه - سبحانه - في جميع الأوقات ، وحتى كانت الثمرة منها مثل عيسى عليه السلام ، وهذا هو النبات الحسن ، وكفلها زكريا . ومن القبول الحسن والنبات الحسن أَنْ جعل كافَلَها والقَيَّمَ بأمرها وحفظها نبياً من الأنبياء مثل زكريا عليه السلام ، وقد أوحى الله إلى داود عليه السلام : إنْ رأيْتَ لي طالباً فكُنْ له خادماً . قوله جلّ ذكره : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . مِنْ إمارات القبول الحسن أنها لم تكن توجد إلا في المحراب ، ومن كان مسكنه وموضعه الذي يتعبَّدُ فيه وهناك يوجد المحراب - فذلك عَبْدٌ عزيز . ويقال مِنَ القبول الحسن أنه لم يطرح أمرَها كُلَّه وشُغْلُها على زكريا عليه السلام : فكان إذا دخل عليها زكريا ليتعهدها بطعام وَجَدَ عندها رزقاً لِيَعْلَمَ العاملون أن الله - سبحانه - لا يُلْقِي شُغْلَ أوليائه على غير ، ومن خدم ولياً من أوليائه كان هو في رفق الولي لا إنه تكون عليه مشقة لأجل الأولياء . وفي هذا إشارة لمن يخدم الفقراء أن يعلم أنه في رفق الفقراء . ثم كان زكريا عليه السلام يقول : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } ؟ لأنه لم يكن يعتقد فيها استحقاق تلك المنزلة ، وكان يخاف أن غيره يغلبه وينتهز فرصة تعهدها ويسبقه بكفاية شُغْلها ، فكان يسأل ويقول : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } ومن أتاكِ به ؟ وكانت مريم تقول : هو من عند الله لا من عند مخلوق ، فيكون لزكريا فيه راحتان : إحداهما شهود مقامها وكرامتها عند الله تعالى ، والثانية أنه لم يغلبه أحد على تعهدها ، ولم يسبق به . قوله : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ } فلفظة كلَّما للتكرار وفي هذا إشارة : وهو أن زكريا عليه السلام لم يَذَرْ تَعهُّدَها - وإنْ وجد عندها رزقًا - بل كل يومٍ وكل وقتٍ كان يتفقد حالها لأن كراماتِ الأولياء ليست مما يجب أن يدوم ذلك قطعاً ؛ فيجوز أن يُظهِرَ الله ذلك عليهم دائماً ، ويجوز ألا يظهر ، فما كان زكريا عليه السلام يعتمد على ذلك فيترك تفقد حالها ، ثم كان يُجَدِّدُ السؤال عنها بقوله : { يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } ؟ لجواز أن يكون الذي هو اليوم لا على الوجه الذي كان بالأمس ، فإنه لا واجب على الله سبحانه . وقوله : { إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } إيضاح عن عين التوحيد ، وأن رزقه للعباد ، وإحسانه إليهم بمقتضى مشيئته ، دون أن يكون مُعَلَّلاً بطاعاتهم ووسيلة عباداتهم .