Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 17-33)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله جلّ ذكره : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } . أي امتحنَّاهم … حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فابتلاهم الله بالجوع ، حتى أكلوا الجِيَف - كما بلونا أصحاب الجنة ، قيل : إن رجلاً من أهل اليمن كانت له جنة مثمرة وكان له ثلاثة بنين ، وكان للمساكين كل ما تَعدّاه المِنْجل فلم يجذه من الكَرْم ، فإذا طُرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين ، فما أخطأه القطافُ من نخلة وكَرْمه يَدَعه للمساكين ، وكان يجتمع منه مال ، فلما مات هو قال وَرَثَتُه : إنَّ هذا المالَ تفرَّق فينا ، وليس يمكننا أن نفعلَ ما كان يفعله أبونا ، وأقسموا ألا يُعْطوا للفقراء شيئاً ، فأهلكَ اللَّهُ جَنَّتهَم ؛ فنَدموا وتابوا . وقيل : أَبدْلَهُم اللَّهُ جنةً حسنة ، فأقسموا ليصرمُنَّ جنَّتهم وقت الصبح قبلَ أَنْ تفطِنَ المساكينُ ، ولم يقولوا : إن شاء الله : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } . أرسل عليها من السماء آفةً فأحرقت ثمارهم . وأصبحت { كَٱلصَّرِيمِ } أي كالليل المسودِّ ، فنادى بعضُهم بعضاً وقت الصبح : أن اغدوا على حرثكم إن أردتم الصرام ، فانطلقوا لا يرفعون أصواتهم فيما بينهم لئلا يسمعَهم أحدٌ . وقصدوا إلى الصرام { عَلَىٰ حَرْدٍ } أي : قادرين عند أنفسهم ، ويقال : على غضبٍ منهم على المساكين . فلمّا رأوا الجنةَ وقد استؤصلَتْ قالوا : ليست هذه جنتنا ! ! ثم قالوا : بل هذه جَنّتُنا … ولكنّا حُرِمْنا خيرَها . قال أوسطُهم : أي أعدلُهم طريقةَ وأحسنُهم قولاً : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } . أي : تستثنون وتقولون : { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } [ البقرة : 70 ] . { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } . ثم أقبل بعضُهم على بعض يتلاومون ، ويقولون : { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } . قال تعالى : { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } لأهل مكة { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } وهكذا تكون حالُ مَنْ له بدايةٌ حسنةٌ ويجدُ التوفيق على التوالي ، ويجتنبُ المعاصي ، فيُعَوضه اللَّهُ في الوقتِ نشاطاً ، وتلوحُ في باطنه الأحوالُ … فإذْا بَدَرَ منه سوءٌ دعوى أو تَرْكَ أدبٍ من آداب الخدمة تَنْسَدُّ عليه تلك الأحوالُ ويقع في قرْةٍ من الأعمال فإذا حَصَلَ منه بالعبادات إخلالٌ ، ولبعض الفرائض إهمالٌ - انقلب حالُه ، ورُدَّ من الوصال إلى البعاد ، ومن الاقتراب إلى الاغتراب عن الباب ، فصارت صفوتُه قسوةً . وإن كان له بعد ذلك توبة ، وعلى مَا سَلَفَ منه ندامة - فقد فات الأمُرُ من يده ، وقلَّما يصل إلى حاله . ولا يبعد أن ينظر إليه الحقُّ بأفضاله ، فيقبله بعد ذلك رعايةً لما سَلَفَ في بدايته من أحواله … فإنَّ الله تعالى رؤوفٌ بعباده .