Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 61-64)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ } اخبر عن عظيم اطلاعه على اسرار الخواطر وما يجرى فى الضمائر وكيف لا يطلع وهو مبدئها ومنشئها قال تعالى { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } خوف اشرف خلقه من اطلاعه حيث قال { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } اى ما تكون فى طلب وسيلة منك إليّ لتصل بها الى { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } اى { مِن قُرْآنٍ } من خطابى بنعت التبليغ على عبادى لتحدب قلوبهم بلذة خطابى الى الا وانا منتظر قدوم اسرارك على واراعى خطرات قلبك حتى لا يجرى ذكر غيرى من العرش الى الثرى فتح بهذا الخطاب لحبيبه ابواب انوار عظمته ليكون عظيم الشان فى عيون العالمين ثم خاطب الجميع بهذا الخطاب بقوله { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ } من عبوديتى وطلب مشاهدة ربوبيتى { إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } مطلعا على جريان هممكم على اسراركم بنعت كشف جلالى وعظمتى والقاء سطوة كبريائى على قلوبكم حتى لا تكونوا الا مشاهدين عظائم جبروتى وشرائف ملكوتى ومعنى { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } عند عزائمكم فى بذل وجودكم الي وكل حركة غيبية تجرى عليكم ثم اخبر عن سلطان احاطته على كل ذرة من العرش الى الثرى بقوله { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } بين ان ما صدر من العدم بنور القدم يكون بين علمه القديم وقدراته القائمة بذاته ونظره الشامل على وجود جميع الاشياء على حد صغرها وكبرها وأنها بجميعها معروفة فى علمه عند بصره وكلها قائمة بذاته وصفاته وفى جميع الاوقات ينظر الى كل ذرة بنظر الحفظ والرعاية ولولا كمال عزة قدرته واحاطته بعلمه القديم لتفتت ما بين عرصات الملكوت والجبروت وبهذه الاية يكمل خوف المراقبين وحذر الواجلين واجلال العارفين وخشية الموحدين ورعاية الصادقين ومؤانسة الصديقين ومطالبة المريدين قال الشقيق على العبد ان يلزم قلبه دوام نظر الله اليه وقربه منه وقدرته عليه لان الله يقول { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } وقال بعضهم من شهد شهود الحق اياه قطعه ذلك عن مشاهدة الاغيار اجمع قال النصرابادى شتان بين من عمل على رؤية الثواب وبين من عمل اتباع الأمر وبين من عمل على سبيل المشاهدة قال الله تعالى { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } وقد وقع لى اشارة لطيفة ان الله سبحانه بين التفاوت بين الارواح والاشباح وبين اجرام الاكوان تفاوتا شريفا حيث اخبر تعالى انه مع الارواح والاشباح بانوار شهوده وكشف وجوده واستغراقها فى علمه بقوله { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } خطاب الارواح والاشباح واجرام الاكوان معها بالعلم والقدرة والاحاطة بها منة عليها فالله سبحانه مع العبد العارف بنعت القربة والمشاهدة والكون مستغرق فى علم بقوله { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } وما انت للعارف لو شاهد مشهوده يغيب عن الخوض فى الاعمال بل يطير اليه باجنحة الاحوال اذا انكشف جماله لمحبة لم يبق بين المحب والمحبوب واسطة الاعمال واذا كان كذلك يسقط عنه احزان الفوات وخوف الافات اذ هو فى مشاهد الوصال ورؤية الجمال لقوله سبحانه فى وصف المشاهدين جماله المستأنسين وصاله الخارجين عن مكائد القهريات ونوائب العقوبات { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } العارف الصادق اذا كوشف له انوار جمال الذات استانس بها وفرح بمواصلتها على الدوام ثم دخل فى نور البسط وغلب عليه الطمأنينة والرجاء ثم يدخل فى سماع الانبساط من روح الوصال فيغلب النشاط والاستبشار وذلك مقام لا يدخل فيه وجل القلوب من سطوات العظمة ولا اضطراب الارواح من انوار الهيبة ولا فناء الاسرار من قهر سلطان الاولية ولا اضمحلال الوجود من قوارع العزة لان الولى العارف اذا كان فى رؤية هذه الصفات يكون اسراره فى اسفار الازال والاباد ويكون هناك على خطر الفناء من غيرة القهريات الا ترى الى قوله عليه السلام " المخلصون على خطر عظيم " فاذا سكنت الأسرار عن تلك الاسفار وكملت الحق فى الحق وتمكنت بالله فى الله وتوطنت فى مواطن انوار الجمال لا يجرى بعد ذلك عليه طوارقات الامتحان الا ترى الى المؤمن فى الجنان لا يجرى عليه افات العذاب وضرر الخوف والحزن لانه فى جنان الظاهر وموضع الروح والريحان فالعارف الولى ايضا اذا بلغ الى جنان جمال مشاهدة الله يكون محروسا برعاية لطفه عن طوارق قهره امنا به عنه لذلك قال { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } لا خوف عليهم من مكر السابق فى الازل فانهم اصحاب العنايات فى سوابق علم القدم ولا هم يحزنون من مستقبل عارض القهر لانهم اصحاب الكفايات الى الابد وكيف يخاف من ينظر الى جماله وكيف يحزن من يكون فى سنا جلاله ولا يتم الولاية الا باربع مقامات الاول مقام المحبة والثانى مقام الشوق والثالث مقام العشق والرابع مقام المعرفة لا يكون المحبة الا بكشف الجمال ولا يكون الشوق الا باستنشاق نسيم الوصال ولا يكون العشق الا بدنو الدنو ولا يكون المعرفة الا بالصحبة واصل الصحبة وكشف الالوهية القديمة مع ظهور انوار الصفات جميعا فاذا راى انوار الصفات وعرف النعوت والاسماء ومشارب الصفات وعرف بها الذات سبحانه ويخرج من درك الفناء فيها بنعت البقاء فيكون وليا فيورث محبته الطاعة ويورث شوقه الحالة ويورث عشقه بذل الوجود ويورث معرفته الخلو مما سواه فيتورث ابطاعة الفراسات وتورث الحالة اللطافة والظرافة ويورث بذل الوجود الكرامات ويورث الخلو مما سواه الهيبة والوقار فاذا كان كذلك بما وصفنا يكون الاية لله فى بلاد الله شمائله البشارة والسخاوة واخلاقه الصحبة والنصيحة يامر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحفظ حدود الله على عباد الله طوبى لمن راه وطوبى لمن صحبه واثر خدمته وتصديق ما ذكرنا وصف الله اياهم عقب هذه الاية بقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } امنوا عاينوا الله بنور الله وشاهدوا الله بشهود الله اياهم وعرفوا الله بالله حيث لا سبب لمعرفتهم الا كشف جمال الله لهم وكانوا يتقون مما سواه من نفوسهم وغيرها من العرش الى الثرى فايمانهم يوجب الكرامات وتقربهم يوجب المشاهدات ثم افرح فؤادهم بنيل وصاله وادراك مشاهدته بنعت الرضا عنهم فى الدنيا والاخرة بقوله { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } اى لهم فى الدنيا مشاهدة البيان وفى الاخرة مشاهدة العيان لهم فى الدنيا مكاشفات وفى الاخرة مشاهدات لهم فى الدنيا التجلى وفى الاخرة مقام التدلى لهم فى الدنيا رؤية الله فى المنامات وفى الاخرة عيان المشاهدات ثم بين ان تلك الاصطفائية الازلية لا تتغير ابدا بقوله { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } اى لا تبديل لما سبق لهم فى الازل من حسن عنايته لهم { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } حيث نجوا من قهره وظفروا بوصاله ومشاهدته واى فوز اعظم من ذلك قال الواسطى حظوظ الاولياء من اربعة اسماء وقيام كل فريق منهم باسم منها هو الاول والاخر والظاهر والباطن فمن فنى عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ومن كان حظه من اسمه الباطن لاحظ ما جرى فى السرائر من انواره ومن كان حظه من اسمه الاول كان شغله ما سبق ومن لاحظ اسمه الاخر كان مربوطا بما يستقبله وكل كوشف على قدر طبعه وطاقته الا من تولاه الحق ببره وقام عنه بنفسه وقال بعضهم قلوب اهل الولاية مصانة عن كل معنى لانها موارد الحق سئل بعضهم ما علامة الاولياء قال همومهم مع الله وشغلهم بالله وفرارهم الى الله قال ابو سعيد الخراز الاولياء فى الدنيا يطيرون بقلوبهم يرتادون الوان الفوائد والحكمة ويشربون من عين المعرفة فهم يفرون من فضول الدنيا ويأنسون بالمولى ويستوحشون من نفوسهم الى وقت موافاة رسول الرحيل وقال ايضا نفوس الاولياء جملة قلوبهم وقلوب الاعداء يحمل اثقال نفوسهم من الشرك طمعاً فى راحة نفوسهم وقال ابو يزيد اولياء الله عرائس الله ولا يرى العرائس الا من يكون محرما لهم وهم محذرون عند الله فى حجال الانس لا يراهم احد قال ابو على الجوزجانى الولى هو الفانى فى حالة الباقى فى مشاهدة الحق وذاته تولى الله اسبائه فتوالت عليه انوار الولى لم يكن له عن نفسه اخبار ولا مع احد غير الله قرار وسئل ابو حفص عن الولى قال الولى من ايد بالكرامات وغيب عنها وقال محمد بن على الترمذى الولى بشرى كانه على روحه فى منامه وعلى قلبه فى تلطفه فروحه يسرى الى تحت العرش فيسجد فيه وقلبه يسرى الى فوق العرش فيلاحظ المجالس ويناجى ويبشر قال ابو سعيد الخراز فى قوله { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } هم به وله موقوفون بين يديه غير ان الحق ممتع لهم بماله اراهم من عظيم الفوائد وجزيل الذخائر ما لا يقع لهم علم به ولا علم عليه قبل حين وروده حتى يكون الحق مطالعا لهم على ما يريد من ذلك على حسب ما قسمه لهم فهم فى ذلك على احوال شتى فذلك قوله { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } .