Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-22)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ } فلما خرجت الارواح من اماكن العدم وطارت فى هواء القدرة وطلبت انوار موارد القدم فوجدت قاموس الكبرياء فادلت دلاء الهمم فيها فانكشف لها من مطالع الازل شموس المشاهدة وأقمارالعزة فلما ظفرت بموارد الحقيقة صاحت بصياح العشق وقالت يا بشرى هذا شاهد القدم وعروس الازل فوجدت شاهدها وفرحت بمشاهدته وطارت سكرانة فى هواء ازاله واباده من الفرح ببقاء لانها وجدت بضاعة المعارف وريح الكواشف قوله تعالى { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } جعلت انوار جلاله فى صميم اسرارها وسترها عن الاغيار وجعلها بضاعة التوحيد والمعرفة والمحبة ليريح بها مداناة الوصال والاستئناس بالجمال يا ليت لسيادة يوسف لو عرفت ما فى وجه يوسف من تلألؤ انوار حسن الازل لسجدت له كما سجدت الملائكة لآدم لا للعبودية ولكن للعشق والمحبة لانه كان شاهد الله فى شاهد الله قال جعفر كان لله تعالى فى يوسف سر فغطى عليهم موضع سره ولو كشف لهم عن حقيقة ما اودع فيه لماتوا لا تراهم كيف قالوا هذا غلام ولو عجلوا اثار القدرة فيه لقالوا هذا نبى وصديق ولما كشف للنسوة بعض الامر قلن { مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ولما لم يعرفوه بخاصية النبوة والولاية ولم يروا عليه اثار جمال الله سبحانه باعوه بثمن بخس لجهلهم به وبما فيه من ودائع كنوز القدرة وانوار المشاهدة والعلوم اللدنية الغيبية بقوله { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } لو كان فيهم ما كان فى يعقوب من عشق الله ومحبته وما راى فى مرآة وجهه من انوار قدرة البارى سبحانه ما باعوه بالكونين والعالمين لان ما فى وجه يوسف من جمال الظاهر لم يكن فى الكونين الا فى امثاله من الانبياء والصديقين وجمال ظاهره كان من جمال باطنه ولو اطلعوا على جمال باطنه لوقعوا بين يديه صرعى من سكر محبته ولراوا عجائب الملكوت والجبروت فى ظاهره وباطنه قال جعفر باعوا بالبخس من الثمن لجهلهم بما اودع الله فيه من لطائف العلوم وبدائع الآيات قال ابن عطاء ليس ما باع اخوه يوسف من نفس لا تقع عليها البيع باعجب من بيعك نفسك بادنى شهوة بعد ان بعتها من ربك بأوفر الثمن قال الله { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } فبيع ما قد تقدم بيعه باطل وانما باع يوسف اعداؤه الذين كانوا يعادونه وأنت تبيع نفسك من اعدائك وهى شهواتك وهواك واعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك وقال الجنيد انما باعوه بذلك الثمن حيث لم يتفرسوا فيه ما كان به لانه لم يكن وضع لهم فى جنبه حظ الا ترى الى الذى اشتراه لما كان له فى يوسف حظ كيف قال { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } فصدق فيه فراسته ونال به الهداية وقال ابن عطاء لو جعلوا ثمنه الكونين لكان نجس فى مشاهدته وما خص به قال الجنيد كل ما وقع تحت العدد والاحصاء فهو نجس ولو كان الكونين فلا يكن حظك النجس وهو كل شئ دونه ولما لم يعرفوا مكانته وباعوه اشتراه من راه بعين الحقيقة واعد مبوأ جلاله وقدره فى اخص موضع فى العالم وهو مكان المحبة والعشق بقوله { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } اشتراه بالدنيا للاخرة معرفة بجلاله وجماله وقال لامراته اكرمى مثواه اى لا تنظرى اليه بنظر الشهوة فان وجهه مرآة تجلى الحق فى العالم واين طور سيناء فى مكانته من وجه يوسف وتجلى الحق من طور سيناء لموسى وتجلى الحق من وجه آدم للملائكة وتجلى الحق من وجه يوسف لاجرام الملكوت وسلاطين معارف الجبروت وليعقوب وامثاله من انظار الغيب الا ترى كيف قال سبحانه { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } الآية وايضا اكرمى تقواه بتقواك وايضًا اكرمى مثواه فانه بهديهة امر الفعل فى مجمع عين الجمع لا تنظرى اليه بعين العبودية ولكن انظرى اليه بنظر المعرفة لترَيْ فيه انوار الربوبية وايضا اكرمى اجعلى محبته فى قلبك لا فى نفسك وان القلب موضع المعرفة الطاعة والنفس موضع الفتنة والشهوة { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } ان يعرفنا منازل الصديقين ومراتب الروحانيين ويبلغنا بركة صحبته الى مشاهدة رب العالمين قال بعضهم فى قوله { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } احسنى صحبته فى الدنيا لعله ان يكون لنا شفيعا فى الاخرة قال الجنيد فى قوله { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } من النظر الى يوسف وركز قلبه اليه صار يوسف محنة عليه قالت له امراته { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } ثم ان الله سبحانه وصف ما وهب الى يوسف من احكام الغيب ورؤية كشوفات الملكوت وتمكينه فى المعرفة والنبوة والرسالة بقوله { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } مكناه صبرناه عظيما فى تمكين المعرفة وحمل وارد مشاهدة الغيب وسكناه من فورات الاحوال وتغاير التلوين وبلغناه حقائق الصحو ليكون كهفا لغرباء المعرفة والمسترشدين من اهل المحبة وليعرفه بعد تمكينه حقائق المكاشفات وتاويل لطائف المنامات وما يبرز من الملكوت فى اللبس المجهولة من تصرف الملائكة وقوله { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } ان كان الهاء راجعة الى يوسف هو تعالى المتولى على امر يوسف بان خلصه من مكان الامتحان وبلغه الى درجة الرضوان وبان نجاه من فتنة الطغيان وورطة الحرمان بان كشف له البرهان والسلطان حين مكر به الشيطان خلصه من كيد الحساد وجعله قبرة الاوتاد والله غالب على امره حين دبر يعقوب فى حقه ما دبر ليعرفه غلبة سلطان قهره واستيلاء تقديره على تدبيره غالب على امر يوسف حين براه من آفة شهوة زليخا حين همت به وهم بها قال تعالى { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } وايضا { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } على امر عشقه وعشق زليخا لان مكان العشق ممزوج بطباع الانسانية وان كان صرف العشق من زند نعوت عشق الازل فكشف له سلطنة الكبرياء وخلصه بالكبرياء من مقام العشق الممزوج بطبع البشر كأنه غلب الصفة على الصفة وان كان الهاء راجعا الى الله سبحانه فيه اشارة لطيفة ان امره من عالم الفعل والاحكام والرسوم الشريعة والطريقة والعقول مكلفة به أمر رسماً وغلب قهراً بالشريعة وغلب مقادير الازلية امرا امرا وغلب على امره بنسخه وتبديله امر يوسف بالتبرى عن الاخيار وبان لا يلتفت الى الحدثان فى مكان العرفان لكن غلب جلال قدره وانكشف ليوسف فى وجه زليخا فاظهر القدس وجره بالقدس الى الهمة ليذوقه حلاوة عشق الانسان ليفوز به عشق الربانى ومن هناك رقاه الى مدارج ملك الازال والاباد ومن لم يكن بدايته عشقا كان من المجاهدين لا من العارفين لأن ربان العشق طاروا الى جناب مشاهدة الحق وان العشق مركب عشقه والعشق من عشقه صدر لانه كان عاشقا فى الازل عشقه معادن جميع عشق العشاق قال تعالى { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } كما ان حسن يوسف وزليخا وجميع الحسن فى العالم انشعب من حسنه وجلاله وجماله كان عشقه غلب على امر العبودية كان العشق صفة الربوبية ولم يكن عجبا غلبة الربوبية على العبودية وايضا ما دام الأمر خارجا عن اماكن الافعال وصار صرف الصفات فهو غالب على جميع الحدثان وتدبير اهل العرفان لانه واحد فى ملكه احد فى ملكوته والكائنات خاضعة فانية لجبروته وما ذكرنا من هذه المعانى الغريبة والتفاسير العجيبة من حقائق امر الالوهية لا يعرفها الا ابناء المعرفة ونظار المشاهدة قال الله تعالى { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } لا يعلمون مواضع تقدير الازلية حيث دبّر امور الحدثان من العرش الى الثرى وكيف يطلع الحدثان على قدم الرحمن قال ابن عطاء غالب على امر نفسه اجراه على ما شاء الى من شاء وصرف عمن شاء ولكن اكثر الناس لا يعلمون انه الغالب فى امره الذى امر عباده من طاعتهم ان شاء يسر لهم من طاعته وان شاء عجزهم فيها قال الواسطى يصرفهم فى تدبيره ويدبرهم فى تصريفهم ويوجد منهم المفقود ويفقد منهم الموجود فالاضافات ضرب من الاشراك ثم وصف الله سبحانه بلوغ يوسف اشد النبوة والولاية والتأييد والازلية وما وهبه من انوار العلوم والحكمة بقوله { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } اشده تمكينه واستقامته فى المعاملات والحالات ومراتب الاداب فى العبودية كوشف له تصرفات الربوبية فى معادن المكاشفة حكما وعلما حكما بالعبودية وعلما بالربوبية حكما بالطريقة وعلما بالحقيقة حكما بممالك الدنيا وعلما بممالك الاخرة { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } نجازى المحسنين الذين راقبوا الله سرا وعلانية وبذلوا مهجتهم بالله وفى الله الى الابد قال النصرابادى فى هذه الاية لما عقل عن الله اوامره ونواهيه والاستقام معه على شروط الادب اعطيناه حكما على الغيب فى تعبير الرؤيا وعلما بنفسه فى مخالفة هواها .