Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 25-30)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الله تعالى { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } لما بدأ ليوسف اوائل سطوات الازل وانوار كشف تجلى الابد لم يحتمل اوائلها وعجل سره فى اول بديهة التوحيد فر من اماكن الخطر ولو صبر حتى غاص فى بحر الوحدانية لم يحتج الى الفرار الى الباب وان يمكن فى رؤية الحق وبرهانه وسكن ونظر الى زليخا بنظر التوحيد لتذوب زليخا بنظره اليها والتقديس من شهواتها لان حقيقة التوحيد اذا غلبت نادى الى فناء ما دون الله وتاثر فى كل ناظر الى صاحبها بان لا يبقى فيه اثر للشهوة الانسانية ولما لم يكن كذلك ما اثر فى زليخا حتى عدت خلفه الى الباب وقدت قميصه ولو كان يوسف مستغرقا فى اواخر التوحيد لاحترقت زليخا وما قدرت ان تعدو خلفه وتمزق قميصه كان يوسف فى اوائل التوحيد وزليخا فى اواخر العشق فلم يوثر التوحيد فى العشق وتخريقها ثوب يوسف من غلبة عشق الانسانى على عشق الروحانى ولما خرقت قميصه من عشق الانسانى صار تخريق القميص برهاناً ليوسف شاهدا على صدقه قال بعضهم لو فر الى الله والتجأ اليه لكفى لكنه لما هرب منها وفر بنفسه اكمل نفسه محل التهمة حتى { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } فلما نصب الله البرهان وطرد الشيطان فدخل عليها زوج زليخا وراى حالهما العيان قال تعالى { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ } اضاف اسم السيد الى زليخا لان الله سيد يوسف حقيقة لانه كان حرا بالتوحيد وحرا بالتفريد وكذا على ظاهر الشريعة وما اطيب العشق الى ان يؤول الى الشناعة فان عيش العاشق فى الملامة اطيب قيل فى قوله والفيا سيدها لدى الباب لم تقل سيدهما لان يوسف كان فى الحقيقة حرا ولم يكن العزيز له سيدا فلما افشى سر العشق بينهما واطلع زوجها على سرها نفت عن نفسها الجرم لانها علمت ان لو بين جرمها عند زوجها لقتلها وابقت من حلاوة محبة يوسف والنظر الى وجهه كذلك اوقعت الجرم على يوسف @ بحبك احببت البقاء لمهجتى فلا طال ان اعرضت عنى بقاؤها @@ ولعلمها بان يوسف لم يبق فى الضر والبؤس والمؤاخذة ولا يقدر احد ان يؤذيه ومن يقدر ان يضره ووجهه سالب القلوب وجالب الارواح اغار العالم بعينيه سبى الارواح والاشباح بحسنه وجماله @ لها فى طرفها لحظات سحر تميت بها وتحيى من تريد وتسبى العالمين بمقلتيها @@ وتعللت فى كلامها حيث قالت { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ذكرت حديث السجن ثم ذكر العذاب الاليم تقيا للتهمة عن نفسها حتى لا يعرف زوجها شانها وعلتها وحيلتها وايضا ذكر السجن والتاديب والتعذيب لئلا يبادر بشئ آخر أو يوهم بقتل يوسف كانت زليخا متمكنة فى عشق يوسف فتصرفت فى حالها بنعت الاستقامة ولو كانت فى فور عشقها ما اوقعت الجرم على يوسف لان المهتدى لم يعرف فى بدايته مال الاشياء ولم يبال بها فحكم بحكم الوقت ولم يبال بقتل نفسه وقوف معشوقه منه حتى ان لو كان الجرم لمعشوقه لا وقع على نفسه قال ابن عطاء لم تستغرق هي في محبتها بعد ، فلم تخبر بالصدق وآثرت نفسه على نفسها ، فلما استغرقت في المحبة وهامت أخبرت بالحق وقالت الصدق واثرت نفسه على نفسها فقالت الان حصحص الحق وانا راودته ولما وضعت زليخا الجرم على يوسف { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } كان الكرم والرضا يقتضيان السكوت عن جوابها حتى لا يفتضحا ويكون الى التسليم وترك التدابير اقرب فى التوحيد افضل حيث اهل الطرف يرون الاشياء على رؤية مقادير الازلية لكن اعلمهم مكان طهارة النبوة وقدس الرسالة وبيان الحجة لذلك نطق الصبى فى المهد وتشهد بصدقه اظهاراً لمعجزته وطهارته عما لا يليق بالانبياء ولطيف الاشارة فيه انها ادعت محبة يوسف وتبرأت منها عند نزول البلاء فاراد يوسف ان يلزم عليها ملامة المحبة فان الملامة شعار المحبين فمن لم يكن ملوما فى العشق لم يكن متحققا فى العشق اراد يوسف كونها عاشقا جلداً ليزيد عشقا على عشقها لان الملامة للعاشق زيادة ذكر المعشوق فاذا استقامت يزيد حرقة العشاق والهيجان هم الى رؤية المعشوق والخروج من موضع التهمة ودفعها داب المعشوقين ايضا لزيادة عشق العاشقين فلما بات جرمها بالبرهان الواضح قال زوجها { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } اراد بالكيد ههنا التجمش والغنج والدلال وتقليب طرفهن وكشف ذوائبهن وخضاب اطراف بنانهن ولطافة حركاتهن وإلقاءهن التفاح والسفرجل الى معشوقهن وتزيين لباسهن ولطافة كلامهن وحيث يحتكن بهذه الرعونات على من له لطافة وظرافة ورقة طبع واهلية للعشق فاين ابليس منهن وهو هناك اجيرهن عظم الله كيدهن واضعف كيد الشيطان بقوله { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } سبب ضعف كيد الشيطان هٰهنا انه قبيح الصورة شنيع المنظر لا يقدر على الرجال الا بالوسوسة وهنا بحسنهن حوليات الشهوات يجرون بها الجبال وقال صلى الله عليه وسلم " ما تركت من بعدى فتنة اضر على الرجال من النساء " وقوله عليه السلام " النساء حبائل الشيطان " اى اعظم معاملة ابليس النساء بالرجال اطلق حبال ذكرهن من الف فرسخ يقيد بها اعناق الرجال ولولاهن يخسأ الملعون من وساوس الخلق فان اعظم الفتنة فى العالم النساء وقد سمى كيدهن عظيما وذلك الكيد قيدهن الرجال بلطائف ما ذكرنا من شمائلهن وذلك من اصل وهو أن حسنهن وجمالهن وظرافتهن من حسن فعل الله فى وجوههن وذلك الفعل مرآة تجلى حسن الازل لذلك سماه عظيما وهذا اشارة لا يعرفها الا صاحب واقعة واين الأبله والغبى والبليد من فهم هذه المعنى قال بعض الحكماء انا اخاف من النساء اكثر مما اخاف من الشيطان لان الله يقول { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } وقال للنساء { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } وقال الشبلى { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } على من لم يصحبه من ربه بتوفيق الرعاية فأما من كان بعين الحق كيف يلحقه كيد كائد فلما فشا الخبر وكثرت الملامة وسمعت نساء البلد هاجت سرهن لان ازواجهن كانت متالفة بروح زليخا وهن جميعا مع روح يوسف فتقاضى سرهن حقائق الخبر وتفتيش الامر ليذقن ما ذاقت زليخا فاحتلن وقلن ذكر ملامتها بقوله سبحانه { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } ذكرهن لملامة اشتهائهن رؤية يوسف وحكمن بحكم الفراسة ان حب يوسف بلغ حبة قلبها وصورة شغاف القلب سجف لطيف رفيق وبراءةُ عالم الكثافة وبعده عالم اللطافة مقام النفس والهوى والوسواس والاخر مقام العقل والروح والملك ومقام الكثافة مقام شهوة الانسانى ومقام اللطافة مقام شهوة الروحانى وليس فى الروحانى علة الهوة والنفس والشيطان فاذا وصل الحب الى منظر الروح واتصل بروح الروح بلغ الى عالم الرحمانى فاذا تمكن الحب هناك تخلص من الوسائط وصار حب الله فكل محبة وصلت الى هنا فقد وصلت شغاف القلب واتصلت بمحبة الله كانهن يردن محبة يوسف وصلت فى قلبها الى محبة الله وهناك استغراق الحب حيث بقيت الاشباح فى سورة الوسائط بمحبتها وبقيت الارواح فى مشاهدة الحق للارواح قرار والاشباح قرار وهذا وصفهن زليخا بهذه الصفة بقوله { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } اى فى غيبوبة من استغراق الحق وتمكين العشق بحيث لا تخاف من الملامة ولا تلتفت الى السلامة ويمكن ان اشارتهن الى ضلالها الى انها ارادت من يوسف وحبه ان يكون يوسف من غاية حبها صورة وروحا اتحادا فهن فى منزل العقل والعلم يقين من مباشرة الجمال وعلموا ان ذلك مستحيل من حيث العقل لا من حيث العشق ومباشرة الحال قال الجنيد وسئل ما علامة المحبة قال ذكر الله فى كتابه قد شغفها حبا قال ان لا يرى جفاء الحبيب له جفاء بل يرى جفاء الحبيب له وفاء قال سمنون الشغاف فى المحبة امتلاء القلب منه حتى لا يكون لشئ غيره فيه مكان قال الشبلى الشغاف نهاية العشق وقال بعضهم الشغاف فى المحبة حال الخمود حين لا عبارة عما به ولا اخبار كما قال الله { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } وقال السرى اذهلها حبه حتى لم تكن تعرف سواه ولم يكن للملامة عليه من الغير اثر وذلك صدق المحبة وقال جعفر الشغاف مثل الغيم اظلم قلبه عن التفكر فى غيره والاشتغال بسواه وقال ابن عطاء فى قوله { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } اى فى وجد ظاهر ومحبة بينة وشوق مزعج سئل جعفر بن محمد عن العشق فقال ضلال ثم قرأ { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } قال معناه فى عشق ظاهر وقال بعضهم فى غلبة من العشق ضل فيه عقلها وبصيرتها فلم يبق عليها محل الكتمان من غلبة الشوق فلما وصلها خبر ملامة النسوة واحتيالهن فى طلبهن رؤية معشوقها بلطف المكر ارادت ان يلقيهن فى بحر البلاء الذى لا ينجو منه احد .