Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 77-83)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومعنى : { قالوا إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل } أن القلب استعدّ لهذا المعنى من قبل دون القوى ، فبقوا منكرين لهما ، متهمين إياهما عند أبيهما لتحصيل مطالبهما وطلب لذة وراء ما يطلبونها . وقيل : كان لإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه منطقة يتوارثها أكابر أولاده ، فورثها من إسحق عمة يوسف لكونها كبرى من أولاده ، وقد حضنته بعد وفاة أمّه راحيل ، فلما شبّ أراد يعقوب انتزاعه منها ، فلم تصبر عنه ، فحزمت المنطقة تحت ثيابه عليه السلام ثم قالت : إني فقدت المنطقة ، فلما وجدت عليه سلّم لها وتركه يعقوب عندها حتى ماتت . وهي إشارة إلى مقام الفتوّة التي ورثها من إبراهيم الروح قبل مقام الولاية وقت شبابه . وقد حزمتها عليه النفس المطمئنة التي حضنتها وقت وفاة راحيل اللوّامة . وإرادة انتزاع يعقوب إياه منها إشارة إلى أن العقل يريد الترقي إلى كسب المعارف والحقائق ، وإذا وجده موصوفاً بالفضائل في مقام الفتوّة رضي به ، وتركه عند النفس المطمئنة سالكاً في طريق الفضائل حتى توفيت بالفناء في الله في مقام الولاية والله أعلم . وإسرار يوسف في نفسه كلمته علمه بقصورهم عن إدراك مقامه ونقصانهم عن كماله ، وهي قوله : { أنتُم شر مكاناً } والذي اقترح أن يأخذه يوسف القلب مكان أخيه العقل العملي هو الوهم لمداخلته في المعقولات ، وشوقه إلى الترقي إلى أفق العقل ، وحكمه فيها لا على ما ينبغي وميلهم إلى سياسته إياهم دون العقل العملي للتناسب الذي بينهم في التعلق بالمادة ونزوعه إلى تحصيل مآربهم من اللذات البدنية . ولما وجد القلب متاعه من إدراك المعاني المعقولة عند العقل العملي دون الوهم { قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنّا } إن أخذنا الوهم مكانه وآويناه إلينا وألقينا إليه ما ألقينا إلى أخينا كنا مرتكبين الظلم العظيم لوضعنا الشيء في غير محله . ويأسهم منه شعورهم بعدم تكفيل الوهم إياهم وتمتيعهم بدواعيه وحكمه - وكبيرهم الذي ذكرهم موثق أبيهم الذي هو الاعتقاد الإيماني ، وتفريطهم في يوسف عند حكومة الوهم هو الفكر ، ولهذا قال المفسرون : هو الذي كان أحسنهم رأياً في يوسف ومنعهم عن قتله . وقوله : { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي } أي : لا أتحرك إلا بحكم العقل دون الوهم إلى أن أموت ، وأمرهم بالرجوع إلى أبيهم سياسته إياهم بامتثال الأوامر العقلية { وما شهدنا إلا بما علمنا } أي : إنّا لا نعلم كون ذلك المتاع عند العاقلة العملية إلا نقصاً وسرقة لعدم شعورنا به وبكونه كمالاً { وما كنا } حافظين للمعنى العقلي العيني لأنّا لا ندرك إلا ما في عالم الشهادة ، وكذا أهل قريتنا التي هي مدينة البدن من القوى النباتية { والعير التي أقبلنا فيها } من القوى الحيوانية ، فاسألهم ليخبروك بسرقة ابنك . { قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً } أي : زيّنت طبائعكم الجسمانية لكم أمر التلذذ باللذات البدنية والشهوات الحسيّة فحسبتموها كمالاً ، وتتبع المعقولات والتزام الشرائع والتآمر بالفضائل نقصاً { فصَبْرٌ جميلٌ } أي : فأمركم صبر جميل في العمل بالشرائع والفضائل دائماً والوقوف مع حكم الشرع والعقل ، أو صبر جميل على الاستمتاع على وجه الشرع أجمل بكم من الإباحة والاسترسال بحكم الطبيعة ، أو فأمري صبر جميل في بقاء يوسف القلب وإخوته على استشراق الأنوار القدسية واستنزال الأحكام الشرعية واستخراج قواعدها التي لا مدخل لي فيها ، فلا بدّ لي من فراقهم إلى أوان فراغهم إلى رعاية مصالح الجانبين والوفاء بكلا الأمرين ، أي : المعاش والمعاد ، فإنّ العقل كما يقتضي طلب الكمال وإصلاح المعاد ، يقتضي صلاح البدن وترتيب المعاش وتعديل المزاج بالغذاء وتربية القوى باللذات ، أو فأمري صبر جميل على ذلك { عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً } من جهة الأفق الأعلى والترقي عن طوري إلى ما يقتضيه نظري ورأيي من مراعاة الطرفين ومقامي ومرتبتي من اختيار التوسط بين المنزلتين { إنه هو العليم } بالحقائق { الحكيم } بتدبير العوالم ، فلا يتركهم مراعين للجهة العلوية ، ذاهلين عن الجهة السفلية ، فيخرّب مدينة البدن ويهلك أهلها ، وذلك قبل التمتيع التام الذي أشرنا إليه إذ هو مقام الاجتهاد بعد الكشف والسلوك في طريق الاستقامة بعد التوحيد .