Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 106-111)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ من كفر بالله من بعد إيمانه } لكون الظلمة له ذاتية بحسب استعداده الأول والنور عارضياً ، فهو في حجاب خلقي عن نور الإيمان إن اعتراه شعاع قدسيّ من نفس الرسول أو من فيض القدس أو أثر فيه وعداً ووعيداً ، أو كلمة حق في دعوته إلى الحق في حال إقبال من قلبه ودعاه داعية نفسانية من حصول نفع ودفع ضرّ ماليين أو جاه وعزّة بسبب الإسلام ، آمن ظاهراً ، ومقامه ومقرّه الكفر ، فقد استحق غضب الله لأنه محجوب بحسب الاستعداد عن أول مراتب الإيمان الذي هو شهود الأفعال بالاستدلال من الصنع على الصانع فعقابه من باب الأفعال والصفات لا الذي { أكره } على الكفر بالإنذار والتخويف { وقلبه مطمئن } ثابت متمكن مملوء { بالإيمان } لنورية فطرته في الأصل وكون النور ذاتياً له بحسب الفطرة ، والكفر والاحتجاب إنما عرض بمقتضى النشأة . وقد زال الحجاب العارضي . { ولكن من شرح بالكفر صدراً } أي : طاب به نفساً ورضي واطمأن لكونه مستقرّه ومأواه الأصلي { فعليهم غضب } عظيم ، أي : غضب { من الله ولهم عذاب عظيم } لاحتجابهم عن جميع مراتب الأنوار من الأفعال والصفات والذات ، فما أغلظ حجابهم وما أعظم عذابهم . { ذلك } أي : انشراح الصدر بالكفر والرضا به { بـ } سبب { أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة } لكونها مبلغ علمهم ونهايته ، وما بلغ علمهم إلى الآخرة لانسداد بصائر قلوبهم ومناسبة استعدادهم للأمور الغاسقة السفلية من الموادّ الجسمية ، فأحبوا ما شعروا به ولاءم حالهم . وحبّ الدنيا رأس كل خطيئة لاستلزامه الحجاب الأغلظ الذي لا خطيئة إلا تحته وفي طيّه { وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } أي : المحجوبين بأغلظ الحجب لامتناع قبولهم للهداية . { أولئكَ الذين طَبَع الله على قلوبهم } بقساوتها وكدورتها في الأصل فلم ينفتح لهم طريق الإلهام والفهم والكشف { وسمعهم وأبصارهم } بسدّ طريق المعنى المراد من مسموعاتهم وطريق الاعتبار من مبصراتهم إلى القلب ، فلم يؤثر فيهم شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض الروح وإلقاء الملك وإشراق النور ولا من طريق الظاهر بطريق التعليم والتعلم والاعتبار من آثار الصنع { وأولئك هم الغافلون } بالحقيقة لعدم انتباههم بوجه من الوجوه وامتناع تيقظهم من نوم الجهل بسبب من الأسباب . { لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون } الذين ضاعت دنياهم التي استنفدوا في تحصيلها وسعهم ، وأتلفوا في طلبها أعمارهم ، وليسوا من الآخرة في شيء إلا في عذاب هيئات التعلقات ووبال التحسرات . { ثم إنّ ربّك للذين هاجروا } أي : تباعد بين هؤلاء المحجوبين الذين : إنّ ربّك عليهم بالغضب والقهر ، وبين الذين : إنّ ربّك لهم بالرضا والرحمة وهم الذين هاجروا عن مواطن النفس بترك المألوفات والمشتهيات { من بعد ما فُتِنوا } وابتلوا بحكم النشأة البشرية { ثم جاهدوا } في الله بالرياضات وسلوك طريقه بالترقي في المقامات والتجريد عن الهيئات والتعلقات { وصبروا } على ما تحب النفس وتكرهه بالثبات في السير { إنّ ربّك من } بعد هذه الأحوال { لغفور } لهم بستر غواشي الصفات النفسانية { رحيم } بإفاضة الكمالات وإبدال صفاتهم بالصفات الإلهية .