Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 112-119)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وضرب الله مثلاً } للنفس المستعدّة ، القابلة الصافية عن الكدورات ، المستفيدة من فيض القلب ، الثابتة في طريق اكتساب الفضائل ، الآمنة من خوف فواتها وفنائها ، المطمئنة باعتقادها { يأتيها رزقها رغداً } من العلوم النافعة والفضائل الحميدة والأنوار الشريفة { من كل مكان } أي : من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس الممتارة إياها قوت العلوم الجزئية ، والجوارح ، والآلات التي تطاوعها في الأعمال الجميلة ، وتمرين الفضيلة إذا كانت منقادة للقلب مطواعة له ، قابلة لفيضه ، باقية على معتقدها من الحق تقليداً . ومن جهة القلب كإمداد الأنوار ، وهيئات الفضائل ، فظهرت بصفاتها بطراً وإعجاباً بزينتها وكمالها . ونظراً إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك الأنوار ومالت إلى الأمور السفلية من زخارف الدنيا واللذات الحسيّة وانقطع إمداد القلب عنها ، وانقلبت المعاني الواردة إليها من طرق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت إليها { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } بانقطاع مدد المعاني والفضائل والأنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات الحسيّة والمشتهيات { بما كانوا يصنعون } من كفران نِعَم الله باستعمالها في طلب اللذات الحسيّة والزخارف الدنيوية ولظهورها بصفاتها وإعجابها بكمالاتها وركونها إلى الدنيا ولذاتها واستيلائها على القلب بهيئاتها وأفعالها وحجب صاحبها عن نوره ومدده بطلب شهواتها ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : " نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى " بقرية صفتها ما ذكر . { ولقد جاءهم رسولٌ منهم } أي : من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة والآراء الصادقة { فكذبوه } بعدم التأثر بها والانقياد لأوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل بمقتضاها وقلّة المبالاة بها ، ولم يرفعوا بها رأساً عن الانهماك فيما هم عليه { فأخذهم } عذاب الاحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة ظلمهم وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم .