Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-90)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ويوم نبعث من كل أمة شهيداً } أي : نبعث نبيهم على غاية الكمال الذي يمكن لأمّته الوصول إليه أو التقرّب منه والتوجه إليه لإمكان معرفتهم إياه فيعرفونه ، ولهذا يكون لكل أمة شهيد غير شهيد الأمة الأخرى ، ويعرف كل من قصر وخالف نبيه بالإعراض عن الكمال الذي هو يدعو إليه ، والوقوف في حضيض النقصان قصوره واحتجابه فلا حجة له ولا نطق ، فيبقى متحيّراً متحسراً ، وهو معنى قوله : { ثم لا يؤذن للذين كفروا } ولا سبيل له إلى إدراك ما فاته من كماله لعدم آلته ، ولا يمكن أن يرضى بحاله لقوّة استعداده الفطري الذي جُبِلَ عليه ، وشوقه الأصلي الغريزي إليه ، فهو مكظوم لا يستعتب ولا يسترضي . { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } أي : الاستسلام والانقياد . وقد جاء إنكارهم كقوله تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } [ المجادلة ، الآية : 18 ] وذلك بحسب المواقف ، فالإنكار في الموقف الأول وقت قوّة هيئات الرذائل وشدّة شكيمة النفس في الشيطنة ، وغاية البعد عن النور الإلهي للاحتجاب بالحجب الغليظة والغواشي المظلمة حتى لا يعلم أنه كان يراه ويطلع عليه ونهاية تكدّر نور الفطرة حتى يمكنه إظهار خلاف مقتضاه . والاستسلام في الموقف الثاني بعد مرور أحقاب كثيرة من ساعات اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة حين زالت الهيئات ، ورقت وضَعُفَت شراشر النفس في رذائلها ، وقرب من عالم النور لرقة الحجب ولمعان نور فطرته الأولى ، فيعترف وينقاد ، هذا إذا كان الاستسلام والإنكار لنفوس بعينها . وقد يكون الاستسلام للبعض الذين لم ترسخ هيئات رذائلهم ، ولم تغلظ حجبهم ، ولم ينطفئ نور استعدادهم . والإنكار لمن ترسخت فيه الهيئات وقويت وغلبت عليه الشيطنة ، واستقرّت وكثف الحجاب ، وبطل الاستعداد والله أعلم . { وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } قد مرّ في سورة ( النساء ) ، { ونزَلنا عليك الكتاب } أي : العقل الفرقاني بعد الوجود الحقاني { تبياناً لكل شيء } تبييناً وتحقيقاً لحقّية كل شيء ، وهداية لمن استسلم وانقاد لسلامة فطرته إلى كماله { ورحمة } له بتبليغه إلى ذلك الكمال بالتربية والإمداد وبشارة له ببقائه على ذلك الكمال أبداً سرمداً في الجنان الثلاث .