Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 18-20)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وتحسبهم أيقاظاً } يا مخاطب لانفتاح أعينهم وإحساساتهم وحركاتهم الإرادية الحيوانية { وهم رقود } بالحقيقة في سنة الغفلة تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون { ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال } أي : نصرفهم إلى جهة الخير وطلب الفضيلة تارة ، وإلى جهة الشر ومقتضى الطبيعة أخرى { وكلبهم } أي : نفسهم { باسطٌ ذراعيه } أي : ناشرة قوتيها الغضبية والشهوانية { بالوصيد } أي : بفناء البدن ، ولم يقل : وكلبهم هاجع لأنها لم ترقد بل بسطت القوتين في فناء البدن ملازمة له لا تبرح عنه ، والذراع الأيمن هو الغضب لأنه أقوى وأشرف وأقبل لدواعي القلب في تأديبه ، والأيسر هو الشهوة لضعفها وخستها { لو اطّلعت عليهم } أي : على حقائقهم المجردة وأحوالهم السنية وما أودع الله فيهم من النورية والسنا ، وما ألبسهم من العز و البهاء { لوليت منهم } فارّاً لعدم اعتقادك بالنفوس المجردة وأحوالها وعدم استعدادك لقبول كمالهم ، أو لوليت منهم للفرار عنهم وعن معاملاتهم لميلك إلى اللذات الحسيّة والأور الطبيعية { ولملئت منهم رعباً } من أحوالهم ورياضاتهم ، أو لو اطلعت عليهم بعد الوصول إلى الكمال وعلى أسرارهم ومقاماتهم في الوحدة لأعرضت عنهم وفررت من أحوالهم وملئت منهم رعباً لما ألبسهم الله من عظمته وكبريائه . وأين الحدث من القدم ، وأنى يسع الوجود العدم . { وكذلك بعثناهم } أي : مثل ذلك البعث الحقيقي والإحياء المعنوي بعثناهم { ليتساءلوا بينهم } أي : ليتباحثوا بينهم عن المعاني المودعة في استعدادهم الحقائق المكنونة في ذواتهم فيكملوا بإبرازها وإخراجها إلى الفعل ، وهو أول الانتباه الذي تسميه المتصوفة اليقظة { قال قائل منهم كم لبثتم } مرّ تأويله ، والمحققون منهم هم الذين { قالوا ربّكم أعلم بما لبثتم فابْعَثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة } هذا هو زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم . والورق هو ما معهم من العلوم الأولية التي لا تحتاج إلى كسب ، إذ بها تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقية والمعارف الإلهية . والمدينة محل الاجتماع ، إذ لا بد من الصحبة والتربية أو مدينة العلم من قوله عليه السلام : " أنا مدينة العلم وعليّ بابها " وإنما بعثوا أحدهم لأن كمال الكل غير موقوف على التعليم والتعلم بل الكمال الأشرف هو العلمي فيكفي تعلم البعض عن كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } [ التوبة ، الآية : 122 ] . { فلينظر أيها أزكى طعاماً } أي : أهلها أطيب وأفضل علماً وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخلاف والجدل والنحو وأمثالها التي لا تتقوى ولا تكمل بها النفس كقوله : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } [ الغاشية ، الآية : 7 ] ، إذ العلم غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي الإلهي { وليتلطف } في اختيار الطعام ومن يشتري منه أي : ليختر المحقق الزكي النفس ، الرشيد السمت ، الفاضل السيرة ، النقي السريرة ، الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري الخبيث النفس ، المتعالم ، المتصدّر ، لإفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه فيفيدنا أو ليتلطف في أمره حتى لا يشعر بحالكم ودينكم ، جاهل من غير قصد له { ولا يشعرنّ بكم أحداً } من أهل الظاهر المحجوبين وسكان عالم الطبيعة المنكرين ، وإن أولنا أصحاب الكهف بالقوى الروحانية فالمبعوث هو الفكر ، والمدينة محل اجتماع القوى الروحانية والنفسانية والطبيعية والذي هو أزكى طعاماً العقل دون الوهم والخيال والحواس ، لأن كل مدرك له طعام والرزق هو العلم النظري على كلا التقديرين ، ولا يشعرنّ بكم أحداً من القوى النفسانية . { إنهم إن يظهروا } أي : يغلبوا { عليكم يرجموكم } بحجارة الأهواء والدواعي من الغضب والشهوة وطلب اللذة فيقتلوكم بمنعكم عن كمالكم { أو يعيدوكم في ملّتهم } باستيلاء الوهم وغلبة الشيطان والإمالة إلى الهوى وعبادة الأوثان وعلى التأويل الأول ظهور العوام ، واستيلاء المقلدة والحشوية المحجوبين ، وأهل الباطل المطبوعين ، ورجمهم أهل الحق ، ودعوتهم إياهم إلى ملّتهم ظاهر كما كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .