Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 21-22)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وكذلك أعثرنا عليهم } أي : مثل ذلك البعث والإنامة أطلعنا على حالهم المستعدّين القابلين لهديهم ومعرفة حقائقهم { ليعلموا } بصحبتهم وهدايتهم { أنّ وعد الله } بالبعث والجزاء { حق وأنّ الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم } أي : حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد ، فمنهم من يقول : إن البعث مخصوص بالأرواح المجردة دون الأجساد ، ومنهم من يقول : إنه بالأرواح والأجساد معاً ، فعلموا بالاطلاع عليهم ومعرفتهم أنه بالأرواح والأجساد وأن المعاد الجسماني حق ، { فقالوا ابنوا عليهم بنياناً } أي : فلما توفوا قالوا ذلك كالخانقاهات والمشاهد والمزارات المبنية على الكمل ، المقربين من الأنبياء والأولياء كإبراهيم ومحمد وعلى سائر الأنبياء والأولياء عليهم الصلاة والسلام . { ربّهم أعلم بهم } من كلام أتباعهم من أممهم والمقتدين بهم ، أي : هم أجلّ وأعظم شأناً من أن يعرفهم غيرهم ، الموحدون الهالكون في الله ، المتحققون به ، فهو أعلم بهم كما قال تعالى : " أوليائي تحت قبائي ، لا يعرفهم غيري " { قال الذين غلبوا على أمرهم } من أصحابهم والذين يلون أمرهم تبركاً بهم وبمكانهم { لنتخذنّ عليهم مسجداً } يصلى فيه . { سيقولون } أي : الظاهريون من أهل الكتاب والمسلمين الذين لا علم لهم بالحقائق . وقوله : { رجماً بالغيب } أي : رمياً بالذي غاب عنهم ، يعني : ظنّاً خالياً عن اليقين بعد قولهم : { ثلاثة رابعهم كلبهم } و { خمسة سادسهم كلبهم } وتوسيط الواو الدالة على أن الصفة مجامعة للموصوف ولا تفارقه ، وأنه لا عدد وراءه بين قوله : { ويقولون سبعة } وبين { وثامنهم كلبهم } . وقوله : { ما يعلمهم إلا قليل } بعده ، يدل على أنّ العدد هو سبعة لا غير ، فالقليل هم المحققون القائلون به وإن أوّلناهم بالقوى الروحانية فهم العاقلتان : النظرية والعملية ، والفكر والوهم ، والتخيل والذكر ، والحسّ المشترك المسمى بنطاسيا ، والكلب النفس والشمس والروح على كلا التأويلين . ولهذا روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : " إنهم كانوا سبعة ، ثلاثة عن يمين الملك وثلاثة عن يساره ، والسابع هو الراعي صاحب الكلب " ، فإن صحت الرواية فالملك هو دقيانوس النفس الأمّارة ، والثلاثة الذين كانوا عن يمينه يستشيرهم هم العاقلتان والفكر ، والثلاثة الذين كانوا عن يساره يستوزرهم هم التخيل والوهم والذكر ، والراعي هو بنطاسيا صاحب أغنام الحواس ، والذين قالوا هم ثلاثة ارادوا القلب والعاقلتين ، والذين قالوا خمسة زادوا عليهم الفكر والوهم وتركوا المدرك للصور والذكر لعدم تصرفهما وكون كل منهما كالخزانة . وعلى هذا التأويل فالاطلاع للفئة المحققين من الحضرة الإلهية على بقاء النفس بعد خراب البدن ، والتنازع ، هو التجاذب والتغالب الواقع بين القوى في الاستيلاء على البدن الذي يبعثون فيه وهو البنيان المأمور ببنائه والآمرون هم الغالبون الذين قالوا : { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } [ الكهف ، الآية : 21 ] يسجد ، أي : ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية و الطبيعية والنفسانية والمأمورون هم المغلوبون الفاعلون في البدن المبعوث فيه والله أعلم .