Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 143-143)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومعنى شهادتهم على الناس وشهادة الرسول عليهم ، واطلاعهم بنور التوحيد على حقوق الأديان ومعرفتهم بحق أهل كل دين وحق ، كل ذي دين من دينه وباطلهم الذي ليس حقهم الذي هو مخترعات نفوسهم وتمنياتهم وأكاذيب أخبارهم وملفقاتهم ، ووقوفهم على حدّ دينهم ، وإبطالهم لما عداه من الأديان ، واحتجابهم وتقيدهم بظاهره دون التعمّق إلى باطنه وأصله وإلا عرفوا حقيّة دين الإسلام لأن طريق الحق واحد فلا يستخفون بحق سائر الأديان وخاصة دين الإسلام الذي هو الحق الأعظم الأظهر ، والرسول مطلع على رتبة كل متدين بدينه في دينه ، وحقيقته التي هو عليها من دينه ، وحجابه الذي هو به محجوب عن كمال دينه ، فهو يعرف ذنوبهم وحدود إيمانهم وأعمالهم وحسناتهم وسيئاتهم وإخلاصهم ونفاقهم وغير ذلك بنور الحق ، وأمّته يعرفون ذلك من سائر الأمم بنوره . { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم } بالعلم التفصيليّ التابع لوقوع المعلوم لا العلم السابق في عين جميع أوّل الوجود فإنه معلوم له بذلك العلم قبل وجوده ، لأن العلم كله له لا علم لأحد غيره . فعلومنا التي نعلم بها الأشياء تظهر على مظاهرنا من علمه وذلك علمه التفصيليّ أي : علمه في تفاصيل الموجودات . فهو يعلم بذلك العلم التفصيلي الظاهر في مظاهرنا الأشياء بعد وجودها ، كما يعلمها بالعلم الأول الذي هو في عين الجمع قبل وجودها . { من يتّبع الرسول } في توحيده { مِمن يَنقلب على عقبيهِ } لاحتجابه بالتقييد بالدين { وإنْ كانَت لكبيرة } أي : أنه كانت التحويلة لكبيرة لشاقة ثقيلة { إلا على الذين } هداهم الله إلى التوحيد ونجاهم عن الاحتجاب بالتقييد { وما كانَ الله ليضيعَ إيمانكم } أي : صلاتكم إلى بيت المقدس لكونها لله ، وإذا كانت له فحيثما توجهتم قبلها . ولعمري إنها إنما شقت على طائفتين : المحجوبين بالحق عن الخلق ، والمحجوبين بالخلق عن الحق . فإنّ الأولى عرفت أن التحويلة الأولى التي كانت من الكعبة إلى بيت المقدس هي صورة العروج من مقام القلب والسرّ ، أي : المكاشفة والمكالمة إلى مقام الروح والخفاء ، أي : المشاهدة والمعاينة فحسبوا التحويلة الثانية التي كانت صورة الرجوع إلى مقام القلب حالة الاستقامة والتمكين للدّعوة والنبوّة ومشاهدة الجمع في عين التفصيل ، والتفصيل في عين الجمع ، حيث لا احتجاب عن الخلق بالحق ، ولا عن الحق بالخلق ، هو النزول بعد العروج ، والبعد بعد القرب . وظنوا ضياع السعي إلى المقام الأشرف وحصول الهجر بعد الوصول ، والسقوط عن الرتبة ، فشقّ عليهم ذلك . وأما الطائفة الثانية فتقيدوا بصورة نسكهم وعملهم وما عرفوا حكمة التحويلة ، فظنوا صحة العبادة الثانية دون الأولى ، فشقّ عليهم ضياعها وبطلانها الذي توهموه فهدينا إلى خلاف ما توهموه بما فهم من الآية . { إن الله بالناس لرؤوف } يرؤف بهم بشرح الصدر ، ورفع الحجاب حال البقاء بعد الفناء للأولى ، وبقبول ما عملت الثانية بصدقهم ، وإن لم يعلموا ما يفعلون { رَحِيم } يرحمهم بالوجود الحقانيّ للأولى وثواب الأعمال والهداية إلى الحقيقة للثانية ، وتوفيقهم للترقي من حالهم ومقامهم إلى مقام اليقين .