Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 195-196)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وأنفقوا في سبيل الله } ما معكم من العلوم بالعمل بها ولا تدّخروها لوقت آخر عسى لا تدركونه فلا شيء أضرّ من التسويف { ولا تلقوا بأيديكم إلى } تهلكة التفريط وتأخير العمل بالعلم وإنفاقه في مصالح النفس فإنه موجب للحرمان { وأحسنوا } أي : وكونوا في عملكم مشاهدين { إنّ الله يحبّ المُحْسنين } المشاهدين في أعمالهم ربّهم ، مخلصين له فيها . { وأتمُوا } حجّ توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات بإتمام جميع المقامات والأحوال ، بالسلوك إلى الله وفي الله ، { فإن أحصرتم } بمنع كفار النفس الأمّارة إياكم عنهما { فما استيسرَ من الهدي } فجاهدوا في الله بسوق هدي النفس وذبحها بفناء كعبة القلب أو عرصة ما تمنى منها القلب من المقام . وما استيسر إشارة إلى أنّ النفوس مختلفة في استعداداتها وصفاتها ، فبعضها موصوف بصفات حيوان ضعيف ، وبعضها بصفات حيوان قوي . ولكلّ ما تيسر أو بعضها بصفات حيوان ذلول سهل الانقياد ، وبعضها بصفات حيوان صعب عسر الانقياد ، وربما كان لبعضها صفة لم يتيسر قمعها وإن تيسر قمع سائر صفاتها . ومثل هذا الحاج محصر أبداً . { ولا تحلقوا رؤوسكم } ولا تزيلوا آثار الطبيعة وتخاروا طيب القلب وفراغ الخاطر من الهموم والتعلقات كلها ، والعادات والعبادات وتقتصروا على صفاء الوقت كما هو مذهب القلندرية { حتى يبلغ } هدي النفس { محله } أي : مكانه ، وهو مذبحه أو منحره الذي يقتضي أن تكون أفعالها التي كانت محرّمة عند حياتها بهواها تصير حلاً عند قتلها لكونها بالقلب فتأمنوا من بقاياها ، وإلا لتشوّش وقتكم وتكدّر صفاؤكم بظهورها ونشاطها بالدعوى عند بسط القلب كما هو حال أكثر القلندرية اليوم . { فمن كان منكم مريضاً } أي : ضعيف الاستعداد مملوء القلب بعوارض لازمة في جبلتها أو مكتسبة من العادات { أو به أذى من رأسه } أو ممنوعاً مبتلى بهموم وتعلّقات ورذائل وهيئات ، ولم يتيسر له السلوك والمجاهدة على ما ينبغي وأراد أن يقتصر على طيب القلب وصفاء الوقت ليبقى على الفطرة ولا ينتكس وينحط عن درجته وإن لم يترق . فعليه فدية من إمساك عن بعض لذاته وشواغله النفسانية . أو فعل برّ أو رياضة ومجاهدة تقمع بعض القوى المزاحمة ، فليحفظ وقته وليراع صفاءه بزهد ما أو عبادة أو مخالفة نفس { فإذا أمنتم } من العدوّ المحصر { فمن تمتع } بذوق تجلي الصفات متوسلاً به إلى حج تجلي الذات { فما استيسر من الهدي } بحسب حاله { فمن لم يجد } لضعف نفسه وخمودها وانقهارها { فصيام ثلاثة أيام } فعليه الإمساك عن أفعال القوى التي هي الأصول القوية في وقت التجلي والاستغراق في الجمع والفناء في الوحدة فإنها لا بدّ من أن تحجب وتجرّ إلى حضيض النفس والصدر ، وهي العقل والوهم والمتخيلة { وسبعة إذا رجعتم } إلى مقام التفصيل والكثرة وهي الحواس الخمس الظاهرة والغضب والشهوة ليكون عند الاستقامة في الأشياء بالله { تلك عشرة كاملة } فذلكة ، أي : تلك الإمساكات المذكورة عن أفعال هذه القوى والمشاعر جميع التفاصيل الكاملة الموجبة لأفاعيل قوى وجوده الموهوب بالحق عند حصول الكمال ، كما قال : " كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به " إلى آخر الحديث . { ذلك } الحكم { لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } من المحبوبين الكاملين الحاضري مقام القلب في الوحدة ، فإنه لا هدى له ولا مجاهدة ولا رياضة في وصوله وسلوكه إلى الله ، بل هو للمحبين .