Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-20)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والظلمات هي الصفات النفسانية ، والشكوك الخيالية والوهمية ، والوساوس الشيطانية مما تحيرهم وتوحشهم . والرعد هو التهديد الإلهيّ والوعيد القهريّ الوارد في القرآن والآيات والآثار المسموعة والمشاهدة مما يخوّفهم فيفيد أدنى انكسار لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم الآبية . والبرق هو اللوامع النورية والتنبهات الروحية عند سماع الوعد وتذكير الآلاء والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم ، فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى الإجابة . ومعنى { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَر الموت } يتشاغلون عن الفهم بالملاهي والملاعب عن سماع آيات الوعيد ، ولكي لا ينجع فيهم فيقطعهم عن اللذات الطبيعية بهمّ الآخرة ، إذ الانقطاع عن اللذات الحسيّة هو موتهم ، والله قادر عليهم ، قاطع إياهم عن تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي ، قدرة المحيط بالشيء الذي لا يفوته منه ، فلا فائدة لحذرهم . { يكادُ البرقُ } أي : اللامع النوريّ { يخطَفُ أبصارَهُم } أي : عقولهم المحجوبة بالنعاس عن نور الهداية والكشف ، إذ العقل بصر القلب { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي : ترقوا وقربوا من قبول الحق والهدى ، { وإذا أظلم عليهم قاموا } أي : ثبتوا على حيرتهم في ظلمتهم { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } لطمس أفهامهم وعقولهم ، ومحا نور استعدادهم ، كما للفريق الأول فلم يتأثروا بسماع الوحي أصلاً { إن الله على كلّ شيء قدير } الشيء الموجود الخارجيّ الواجب والممكن ، والموجود الذهني الممكن والممتنع إذ اللاشيء هو المعدوم الصرف الذي ليس في الذهن ولا في الخارج ، لكن تعلق القدرة به خصصه بالممكن وأخرج عنه الواجب والممتنع بدليل العقل . هذا آخر الكلام في الأصناف السبعة على سبيل الإجمال ، وفصل بين فريقي الأشقياء وأوجز ذكر الفريق الأوّل وأعرض عنهم ، إذ الكلام فيهم لا يجدي . وبالغ في ذكر الفريق الثاني ، وذمّهم ، وتعييرهم ، وتقبيح صورة حالهم ، وتهديدهم ، وإبعادهم ، وتهجين سيرهم ، وعاداتهم لإمكان قبولهم للهداية وزوال مرضهم العارض ، واشتعال نور قرائحهم بمدد التوفيق الإلهيّ عسى التقريع يكسر أعواد شكائمهم ، والتوبيخ يقلع أصول رذائلهم ، فتتزكى بواطنهم وتتنوّر قلوبهم بنور الإرادة ، فيسلكوا طريق الحق . ولعل موادعة المؤمنين وملاطفتهم إياهم ومدجالستهم معهم ، تستميل طباعهم فتهيج فيهم محبة مّا ، وشوقاً تلين به قلوبهم إلى ذكر الله ، وتنقاد به نفوسهم لأمر الله ، فيتوبوا ويصلحوا كما قال الله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء ، الآيات : 145 - 146 ] .