Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-22)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا أيها الناسُ } ثم لما فرغ من ذكر السعداء والأشقياء ، دعاهم إلى التوحيد . وأوّل مراتب التوحيد : توحيد الأفعال ، فلهذا علّق العبودية بالربوبية ليستأنسوا برؤية النعمة ، فيحبوه ، كما قال : " خلقت الخلق وتحببت إليهم بالنِعَم " فيشكروه بإزائها ، إذ العبادة شكر فلا تكون إلا في مقابلة النعمة ، وخصص ربوبيته بهم ليخصوا عبادتهم به ، وقصد رفع الحجاب الأول من الحجب الثلاثة التي هي حجب الأفعال والصفات والذات ، ببيان تجلي الأفعال لأن الخلق في الثلاثة كلهم محجوبون عن الحق بالكون مطلقاً ، فنسب إنشاءهم وإنشاء ما توقف عليه وجودهم من المبادئ والأسباب والشرائط كمن قبلهم من الآباء والأمهات ، وجعل الأرض فراشاً لهم لتكون مقرّهم ومسكنهم ، وجعل السماء بناء لتظلهم ، وأنزل الماء من السماء وأخرج النبات به من الأرض ليكون رزقاً لهم إلى نفسه لعلهم يتقون نسبة الفعل إلى غيره ، فيتنزهون عن الشرك في الأفعال عند مشاهدة جميعها من الله ، ولهذا ذكر نتيجة هذه المقدّمات بالفاء فقال : { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } ، ما ذكرنا من المقدمات كأنه قال : هو الذي فعل هذه الأفعال ، فلا تحق العبادة إلا له ، ولا تنبغي أن تجعل لغيره ، فلا تجعلوا له ندّاً بنسبة الفعل إليه ، فيستحق أن يعبد عندكم فتعبدوه مع علمكم بهذا . فعبادتهم إنما هي للصانع ، وربهم هو المتجلّي في صورة الصنع ، إذ كل عابد لا يعبد إلا ما يعرفه ، ولا يعرف الله إلا بقدر ما وجد من الألوهية في نفسه ، وهم ما وجدوا إلا الفاعل المختار فعبدوه . وغاية هذه العبادة الوصول إلى الجنّة التي هي كمال عالم الأفعال ، فالله مهد لهم أراضي نفوسهم ، وبنى عليها سموات أرواحهم ، وأنزل من تلك السموات ماء علم توحيد الأفعال ، فأخرج به من تلك الأرض نبات الاستسلام والأعمال والطاعات والأخلاق الحسنة ليرزق قلوبهم منها ثمرات الإيقان والأحوال والمقامات ، كالصبر والشكر والتوكل . ولما أثبت التوحيد ، استدل على إثبات النبوّة ليصح بهما الإسلام ، فإنه لا يصح إلا بشهادتين لأن مجرّد التوحيد هو الاحتجاب بالجمع عن التفصيل وهو محض الجبر المؤديّ إلى الزندقة والإباحة ، ومجرّد إسناد الفعل والقول إلى الرسول ، احتجاب بالتفصيل عن الجمع الذي هو صرف القدر المؤدّي إلى المجوسية والثنوية ، والإسلام طريق بينهما بالجمع بين قولنا : لا إله إلا الله ، وبين قولنا : محمد رسول الله ، واعتقاد مظهريته لأفعاله تعالى . فإن أفعال الخلق بالنسبة إلى أفعال الحق كالجسد بالنسبة إلى الروح ، فكما أن مصدر الفعل هو الروح ولا يتم إلا بالجسد ، فكذلك مبدئ الفعل هو الحق ولا يظهر إلا بالخلق . ولا بدّ من الرسالة لأن الخلق بسبب احتجابهم وبعدهم عن الحق لا يمكنهم تلقي المعارف من ربهم ، فيجب وجود واسطة يجانس بروحه الشاهدة للحق الحضرة الإلهية ، وبنفسه المخالطة للخلق الرتبة البشرية ، ليتلقى قلبه من روحه الكلمات الربانية ، ويلقي إلى نفسه القدسية ، ويقبل منه الخلق برابطة الجنسية فقال : .