Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 2-2)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لا ريْبَ فيه } عند التحقيق بأنه الحق ، وعلى تقدير القول معناه بالحق الذي هو الكلّ من حيث هو كلّ لأنه مبين لذلك الكتاب الموعود على ألسنة الأنبياء وفي كتبهم بأنه سيأتي كما قال عيسى عليه السلام : " نحن نأتيكم بالتنزيل ، وأما التأويل فسيأتي به المهديّ في آخر الزمان " . وحذف جواب القسم لدلالة ذلك الكتاب عليه ، كما حذف في غير موضع من القرآن مثل ( والشمس ) ( والنازعات ) وغير ذلك . أي إنّا منزلون لذلك الكتاب الموعود في التوراة والإنجيل بأن يكون مع محمد حذف لدلالة قوله : { ذلك الكتاب } عليه أي : ذلك الكتاب المعلوم في العلم السابق ، الموعود في التوراة والإنجيل حق بحيث لا مجال للريب فيه . { هُدًى للمُتقينَ } أي هدى في نفسه للذين يتقون الرذائل والحجب المانعة لقبول الحق فيه . واعلم أن الناس بحسب العاقبة سبعة أصناف لأنهم : إمّا سعداء ، وإمّا أشقياء . قال الله تعالى : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود ، الآية : 105 ] ، والأشقياء أصحاب الشمال ، والسعداء إمّا أصحاب اليمين ، وإمّا السابقون المقرّبون . قال الله تعالى : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } [ الواقعة ، الآية : 7 ] الآية . وأصحاب الشمال إمّا المطرودون الذين حقّ عليهم القول وهم أهل الظلمة والحجاب الكلي المختوم على قلوبهم أزلاً ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس } [ الأعراف ، الآية : 179 ] إلى آخر الآية . وفي الحديث الربانيّ : " هؤلاء خلقتهم للنار ولا أبالي " وأما المنافقون الذين كانوا مستعدّين في الأصل ، قابلين للتنوّر بحسب الفطرة والنشأة ، ولكن احتجبت قلوبهم بالرين المستفاد من اكتساب الرذائل وارتكاب المعاصي ، ومباشرة الأعمال البهيمية ، والسبعية ، ومزاولة المكايد الشيطانية ، حتى رسخت الهيئات الفاسقة والملكات المظلمة في نفوسهم ، وارتكمت على أفئدتهم فبقوا شاكين حيارى تائهين ، قد حبطت أعمالهم ، وانتكست رؤوسهم فهم أشدّ عذاباً وأسوأ حالاً من الفريق الأول لمنافاة مسكة استعدادهم لحالهم . والفريقان هم أهل الدنيا وأصحاب اليمين . أما أهل الفضل والثواب ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات للجنة راجين لها ، راضين بها ، فوجدوا ما عملوا حاضراً على تفاوت درجاتهم ، ولكلّ درجات مما عملوا . ومنهم أهل الرحمة الباقون على سلامة نفوسهم ، وصفاء قلوبهم ، المتبوئون درجات الجنة على حسب استعداداتهم من فضل ربهم ، لا على حسب كمالاتهم من ميراث عملهم . وأما أهل العفو الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وهم قسمان : المعفوّ عنهم رأساً لقوة اعتقادهم ، وعدم رسوخ سيئاتهم لقلّة مزاولتهم إياها ، أو لمكان توبتهم عنها . فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات ، والمعذبون حيناً بحسب ما رسخ فيهم من المعاصي حتى خلصوا عن درن ما كسبوا ، فنجوا وهم أهل العدل والعقاب ، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا . لكن الرحمة تتداركهم وثلاثتهم أهل الآخرة . والسابقون إمّا محبون وإمّا محبوبون ، فالمحبون هم الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده ، وأنابوا إليه حقّ إنابته ، فهداهم سبله . والمحبوبون هم أهل العناية الأزلية الذين اجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم . والصنفان هما أهل الله ، فالقرآن ليس هدًى للفريق الأول من الأشقياء لامتناع قبولهم للهداية لعدم استعدادهم ، ولا للثاني لزوال استعدادهم ومسخهم وطمسهم بالكلية بفساد اعتقادهم ، فهم أهل الخلود في النار إلا ما شاء الله . فبقي هدى للخمسة الأخيرة الذين يشملهم المتقون ، والمحبوب يحتاج إلى هداية الكتاب بعد الجذب والوصول لسلوكه في الله لقوله تعالى لحبيبه : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [ الفرقان ، الآية : 32 ] ، وقوله : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَك } [ هود ، الآية : 120 ] . والمحبّ يحتاج إليه قبل الوصول والجذب وبعده لسلوكه إلى الله وفي الله . فعلى هذا ، المتقون في هذا الموضع هم المستعدّون الذين بقوا على فطرتهم الأصلية ، واجتنبوا رين الشرك والشك لصفاء قلوبهم وزكاء نفوسهم ، وبقاء نورهم الفطري ، فلم ينقضوا عهد الله . وهذه التقوى مقدّمة على الإيمان ، ولها مراتب أخرى متأخرة عنه كما سيأتي إن شاء الله .