Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-5)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الذين يُؤمنونَ بالغَيبِ ويقيمُونَ الصلاةَ } أي : بما غاب عنهم الإيمان التقليديّ ، أو التحقيقيّ العلميّ ، فإنّ الإيمان قسمان : تقليديّ وتحقيقيّ . والتحقيقيّ قسمان : استدلالي وكشفيّ ، وكلاهما إمّا واقف على حدّ العلم والغيب ، وإما غير واقف . والأول هو الإيقان المسمّى علم اليقين . والثاني : إمّا عيني ، وهو المشاهدة المسمى عين اليقين ، وإما حقيّ ، وهو الشهود الذاتي المسمّى حق اليقين . والقسمان الأخيران لا يدخلان تحت الإيمان بالغيب ، والإيمان بالغيب يستلزم الأعمال القلبية التي هي التزكية ، وهي تطهير القلب عن الميل إلى السعادات البدنية الخارجية ، الشاغلة عن إحراز السعادة الباقية . فإن السعادات ثلاث : قلبية ، وبدنية ، وما حول البدن . فالقلبية هي المعارف ، والحكم ، والكمالات العلمية والعملية الخلقية . والبدنية هي الصحة والقوّة واللّذات الجسمانية والشهوات الطبيعية . وما حول البدن هي الأموال والأسباب ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : " ألا وإنّ من النعم سعة المال ، وأفضل من سعة المال صحة الجسد ، وتقوى القلب " . ويجب الاحتراز عن الأوليين لإحراز الأخيرة المطلوبة بالزهد والعبادة . فإقامة الصلاة ترك الراحات البدنية وإتعاب الآلات الجسدية ، وهي أمّ العبادات التي إذا وجدت لم يتأخر عنها البواقي { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَر } [ العنكبوت ، الآية : 45 ] إذ هي تحامل على البدن والنفس ، ومشقة فادحة عليهما ، وإنفاق المال هو الإعراض عن السعادة الخارجية المحبوبة إلى النفس المسمّى بالزهد ، فإن الإنفاق ربما كان أشدّ عليها من بذل الروح للزوم الشحّ إياها ، ولم يكتف بالقدر الواجب فقال : { ومما رزقناهم ينفقون } ليعتاد القلب ترك الفضول المالية بالجود والسخاء وبذل المال ، في وجوه المروّات ، والهبات ، والصدقات الغير الواجبة ، فيوقي شحّ نفسه ، وخصص الإنفاق بالبعض بإيراد من التبعيضية لئلا يقع في رذيلة التبذير ببذل القدر الضروري فيحرم فضيلة الجود الذي هو من باب التخلق بأخلاق الله . { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أي : الإيمان التحقيقيّ الشامل للأقسام الثلاثة المستلزم للأعمال القلبية التي هي التحلية ، وهي تفرّس القلب بالحكم والمعارف المنزّلة في الكتب الإلهية والعلوم المتعلقة بأحوال المعاد ، وأمور الآخرة ، وحقائق علم القدس . ولهذا قال : { وبالآخرة هم يوقنون } وأهل الآخرة الذين ما جاوزوا حدّ التزكية ، ولم يصلوا إلى التحلية التي هي ميراثها ، لقوله عليه السلام : " من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم " وأهل الله الموقنون الجامعون لها كلهم على هدى من ربهم إمّا إليه وإما إلى داره ، دار السلامة والفضل والثواب واللطف ، وهم أهل الفلاح لا غير إما من العقاب وإما من الحجاب ولهذا قال : { أولئك } أي : الموصوفون بهذه الصفات المذكورة من التزكية والتحلية . { على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } لأجلها ، فعلى هذا الذين يؤمنون مبتدأ ، والذين يؤمنون الثاني معطوف عليه ، وأولئك خبره ، ولو جعل صفة للمتقين لكان المراد بهم الكاملين في التقوى بعد الهداية . وكان مجازاً من باب تسمية الشيء بما سيؤول إليه .