Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 74-74)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثم قسَتْ قُلوبُكم } أي : بعد تطاول الأمد ، وتراخي مدّة الفترة ، وتتابع التلوينات ، وتوالي النزغات ، قست قلوبكم بكثرة مباشرة الأمور واللذات البدنية ، وملابسة الصفات النفسانية { فهي كالحجارةِ } من عدم تأثرها بالنقش العلميّ { أو } شيء { أشد قسوةً } منها ، كالحديد مثلاً . ثم بين أنّ الحجارة ألين منها بأنّ حالها منحصر في الوجوه الثلاثة المذكورة ، فأفاد أن القلوب أربعة : قلب تنوّر بالنور الإلهيّ منطمساً فيه ، واستغرق في البحر العلميّ منغمساً فيه ، فانفجرت منه أنهار العلم ، فمن شرب منها يحيا أبداً كقلوب أهل الله السابقين وهو المشار إليه بقوله تعالى : { وإنّ منَ الحجارةِ لَمَا يتفجّرُ منه الأنهارُ } وقلب ارتوى من العلم ، فحفظ ووعى ، فانتفع به الناس ، كقلوب العلماء الراسخين وهو المشار إليه بقوله : { وإن مِنها لمَا يَشققُ فيخرُجُ منه المَاءُ } وقلب خشع وانقاد واستسلم وأطاع ، كقلوب العباد والزهّاد من المسلمين ، وهو المشار إليه بقوله : { وإنّ منها لمَا يَهبطُ من خَشيةِ الله } وأدنى أحوال حاله هو الهبوط من خشية الله ، أي : الانقياد لما أمر الله من الميل إلى المركز بالسلاسة . وبقي قلب لم يتأثر قطّ بالعلم ولم يتلين بالخوف آبياً للهدى ، متكبراً ، ممتلئاً بالهوى ، متمرّداً ، فلا يوجد من الجواهر ما يشبهه لقبول جميعها ما أمر الله به ، فكيف بالحديد الذي يلين لما يراد منه ؟ قال النبي عليه السلام : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضاً فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها طائفة أخاذات أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في الدين فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " فبين عليه السلام القلوب الثلاثة الأخيرة ، والأول من الأربعة هو القلب المحمديّ . { وما الله بغافِلٍ عما تَعْمَلونَ } تهديد للقاسية قلوبهم ، أي : الله مطلع فيحجبهم عن نوره ويتركهم في ظلماتهم ، والآيات التي تتلوها ظاهرة .