Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 45-46)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة } أي : فصّل ما أجمل فيك من كتاب العقل القرآني بسبب الوحي ونزول كتاب العلم الفرقاني ، وأقم الصلاة المطلقة على ترتيب تفاصيل التلاوة والعلوم . ومعناه : اجمع بين الكمال العلميّ والعمل المطلق ، فإن لك بحسب كل علم صلاة وكما أن العلوم إما نافعة تتعلق بالآداب والأعمال وإصلاح المعاش وهي علوم القوى من غيب الملكوت الأرضية ، وإما شريفة تتعلق بالأخلاق والفضائل وإصلاح المعاد وهي علوم النفس من غيب الصدر والعقل العلمي ، وإما كلية يقينية تتعلق بالصفات وهي على نوعين : عقلية نظرية وكشفية سريّة ، وكلاهما من غيب القلب والسرّ . وإما حقيقية تتعلق بالتجليات والمشاهدات ، وهي من غيب الروح ، وإما ذوقية لدنية تتعلق بالعشقيات والمواصلات وهي من غيب الخفاء . وإما حقيّة من غيب الغيوب . وبحسب كل علم صلاة ، فالأولى هي الصلاة البدنية بإقامة الأوضاع وأداء الأركان ، والثانية صلاة النفس بالخضوع والخشوع والانقياد والطمأنينة بين الخوف والرجاء ، والثالثة صلاة القلب بالحضور والمراقبة ، والرابعة صلاة السرّ بالمناجاة والمكالمة ، والخامسة صلاة الروح بالمشاهدة والمعاينة ، والسادسة صلاة الخفاء بالمناغاة والملاطفة ، ولا صلاة في المقام السابع لأنه مقام الفناء والمحبة الصرفة الفناء في عين الوحدة . وكما كان نهاية الصلاة الظاهرة وانقطاعها بظهور الموت الذي هو ظاهر اليقين وصورته كما قيل في تفسير قوله تعالى : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر ، الآية : 99 ] ، فكذلك انتهاء الصلاة الحقيقية بالفناء المطلق الذي هو حق اليقين . وأما في مقام البقاء بعد الفناء فيتجدّد جميع الصلوات الست مع سابعة وهي صلاة الحق بالمحبة والتفريد . { إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمُنْكر } فالصلاة البدنية تنهى عن المعاصي والسيئات الشرعية ، وصلاة النفس تنهى عن الرذائل والأخلاق الرديئة والهيئات المظلمة ، وصلاة القلب تنهى عن الفضول والغفلة ، وصلاة السرّ تنهى عن الالتفات إلى الغير والغيبة ، كما قال عليه السلام : " لو علم المصلي من يناجي ما التفت " وصلاة الروح عن الطغيان بظهور القلب بالصفات كنهي صلاة القلب عن ظهور النفس بها ، وصلاة الخفاء عن الاثنينية وظهور الأنائية ، وصلاة الذات تنهى عن ظهور البقية بالتلوين وحصول المخالفة في التوحيد { ولذكر الله أكبر } الذي هو ذكر الذات في مقام الفناء المحض ، وصلاة الحق عند التمكين في مقام البقاء أكبر من جميع الأذكار والصلوات { والله يعلم ما تصنعون } في جميع المقامات والأحوال والصلوات . { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن } إنما منع المجادلة مع أهل الكتاب إلا بالطريقة التي هي أحسن لأنهم ليسوا محجوبين عن الحق بل عن الدين ، فهم أهل استعداد ولطف لا أهل خذلان وقهر . وإنما ضلّوا عن مقصدهم الذي هو الحق في الطريق لموانع وعادات وظواهر فوجب في الحكمة مرافقتهم في المقصد الذي هو التوحيد كما قال : { وإلهنا وإلهكم واحد } ومرافقتهم في الطريق ما استقام منها ووافق طريق الحق ، لا ما اعوّج وانحرف عن المقصد كالانقياد والاستسلام للمعبود بالحق الواحد المطلق كما قال : { ونحن له مُسْلِمون } ليتحقق عندهم أنهم على الحق متوجهون إلى مقصدهم سالكون لسبيله ، فتطمئن قلوبهم . وملاطفتهم في بيان كيفية سلوك الطريق بتصويب ما هو حق مما هو عليه وتبصير ما هو باطل لاحتجابهم عنه بالعبادة ، كقوله : { آمنّا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } لمناسبتهم ومشراكتهم إياهم في اللطف ، فيستأنسوا بهم ويقبلوا قولهم ويهتدوا بهداهم إلا الذي ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فبطل استعدادهم وحجبوا عن ربّهم ، وهم الذين ظلموا منهم على أنفسهم بإبطال استعداداتهم ونقص حقوقها من كمالاتها بتكديرها وتسويدها ، ومنعها عن القبول بكثرة ارتكاب الفضول فإنهم أهل القهر لا يؤثر فيهم إلا القهر ولا تنجع فيهم الملاطفة للمضادّة بين الوصفين .