Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 47-69)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } أي : القرآن علوم حقيقية ذوقية بيّنة ، محلها صدور العلماء المحققين ، وهي المعاني النازلة من غيب الغيوب إلى الصدر لا الألفاظ والحروف الواقعة على اللسان والذكر ، وما يجحد بها إلاّ الكافرون المحجوبون لعدم الاستعداد ، أو الظالمون الذين أبطلوا استعدادهم بالرذائل والوقوف مع الأضداد { وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين } المحجوبين عن الحق لكونهم مغمورين في الغواشي الطبيعية والحجب الهيولانية بحيث لم يبق فيهم فرجة إلى عالم النور فيستبصروا ويستضيئوا بها ويتنفسوا منها فيترّوحوا فيها . { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم } لحرمانهم عن الحق واحتجابهم عن النور واحتراقهم تحت القهر { ومن تحت أرجلهم } لحرمانهم اللذات والشهوات واحتجابهم عنها بفقدان الأسباب والآلات ، وتعذّبهم بإيلام الهيئات ونيران الآثام وهم بين مبتلين شديدين ومشوقين قويين إلى الجهة العلوية بمقتضى الفطرة الأصلية ، وإلى السفلية باقتضاء رسوخ الهيئة العارضية مع الحرمان عنهما واحتباسهم في برزخ بينهما نعوذ بالله منه . { والذين جاهدوا } من أهل الطريقة { فينا } بالسير في صفاتنا ، وهو السير القلبيّ لأن المبتدىء الذي هو في مقام النفس سيره بالجهاد إلى الله . والمجاهدة في هذا السير بالحضور والمراقبة والاستقامة إلى الله في الثبات على حكم التجليات { لنهدينهم } إلى طرق الوصول إلى الذات ، وهي الصفات لأنها حجب الذات ، فالسلوك فيها بالاتصاف بها موصل إلى حقيقة الاسم الثابت له تعالى بحسب الصفة الموصوف هو بها وهو عين الذات الواحدية وهي باب الحضرة الأحدية { وإنّ الله لمع المحسنين } الذين يعبدون الله على المشاهدة ، كما قال عليه السلام : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " فالمُحسنون السالكون في الصفات والمتّصفون بها لأنهم يعبدون بالمراقبة والمشاهدة ، وإنما قال : " كأنك تراه " لأن الرؤية والشهود العيني لا يكون إلا بالفناء في الذات بعد الصفات .