Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-169)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وما كان لنبيّ أن يغلّ } لبعد مقام النبوّة وعصمة الأنبياء عن جميع الرذائل ، وامتناع صدور ذلك منهم مع كونهم منسلخين عن صفات البشرية ، معصومين عن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم ، قائمين بالله متّصفين بصفاته { يأت بما غلّ } أي : يظهر على صورة غلوله بما غلّ بعينه . { أفَمَن اتّبع رضوان الله } أي : النبيّ في مقام الرضوان التي هي جنة الصفات ، لاتصافه بصفات الله ، والغالّ في مقام السخط لاحتجابه بصفات نفسه { ومأواه } أسفل حضيض النفس المظلمة ، فهل يتشابهان ؟ { هم درجات } أي : كل من أهل الرضا وأهل السخط ذوو درجات متفاوتات أو هم مختلفون اختلاف الدرجات { قل هو من عند أنفسكم } لا ينافي قوله تعالى : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ النساء ، الآية : 78 ] لأنّ السبب الفاعلي في الجميع هو الحق تعالى ، والسبب القابليّ أنفسهم ، ولا يفيض من الفاعل إلا ما يليق بالاستعداد ويقتضيه ، وباعتبار الفاعل يكون من عند الله ، وباعتبار القابل يكون من عند أنفسهم . واستعداد الأنفس إما أصليّ وإما عارضيّ ، والأصلي من فيضه الأقدس على مقتضى مشيئته ، والعارضي من اقتضاء قدره . فهذا الجانب أيضاً ينتهي إليه ، ومن وجه آخر ما يكون من أنفسهم أيضاً يكون من الله نظراً إلى التوحيد ، إذ لا غير ثمة { وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا } أي : وليتميز المؤمنون والمنافقون في العلم التفصيليّ . { ولا تحسبن الذين قُتِلوا في سبيل الله } سواء كان قتلهم بالجهاد الأصغر ، وبذل النفس طلباً لرضا الله ، أو بالجهاد الأكبر ، وكسر النفس ، وقمع الهوى بالرياضة { أمواتاً بل أحياء عند ربّهم } بالحياة الحقيقية مجرّدين عن دنس الطبائع ، مقرّبين في حضرة القدس { يُرْزَقون } من الأرزاق المعنوية ، أي المعارف والحقائق واستشراق الأنوار ، ويرزقون في الجنّة الصورية كما يُرْزق سائر الأحياء . فإنّ للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية ، ولكل من المعنوية والصورية درجات على حسب الأعمال ، فالمعنوية جنّة الذات وجنة الصفات وتفاضل درجاتها على حسب تفاضل درجات أهل الجبروت والملكوت ، والصدورية جنّة الأفعال وتفاوت درجاتها على حسب تفاوت درجات عالم المُلك من السموات العلى ، وجنات الدنيا وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لما أُصِيبَ إخوانكم بأُحد ، جَعَل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، تدور في أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب ، معلقة في ظلّ العرش " فالطير الخضر : إشارة إلى الأجرام السماوية ، والقناديل هي الكواكب ، أي تعلقت بالنيرات من الأجرام السماوية لنزاهتها ، وأنهار الجنة منابع العلوم ومشارعها ، وثمارها الأحوال والمعارف والأنهار ، والثمار الصورية على حسب جنتهم المعنوية أو الصورية . فإنّ كل ما وجد في الدنيا من المطاعم والمشارب والمناكح والملابس وسائر الملاذ والمشتهيات ، موجود في الآخرة وفي طبقات السماء ألذّ وأصفى مما في الدنيا .