Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 16-25)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الذين يقولون ربنا إننا آمنا } بأنوار أفعالك وصفاتك { فاغفر لنا ذنوبنا } أي : ذنوب وجوداتنا بذاتك { وقِنَا عَذَاب النّار } أي : نار الهجران ووجود البقية { الصابرين } على غصص المجاهدة والرياضة { والصادقين } في المحبة والإرادة { والقانتين } في السلوك إليه وفيه { والمُنفِقين } ما عداه من أموالهم وأفعالهم وصفاتهم ونفوسهم وذواتهم { والمستغفرين } عن ذنوب تلويناتهم وبقياتهم في أسحار أيام التجليات النورية عند طلوع طوالع الأنوار ، وظهور تباشير صبح يوم القيامة الكبرى بالأفق الأعلى ، فأجابهم وقت طلوع شمس الذات من مغرب وجودهم ، فلم يبق مغرباً بقوله { شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو } طلع الوجه الباقي ، فشهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته ، إذ لم يبق شاهد ولا مشهود غيره . ثم رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره على وحدانيته في ذلك المشهد فقال : { والملائكة وأولو العلم قائماً بالقِسْط } أي : مقيماً للعدل في تفاصيل مظاهره ، وصور كثرتها الذي هو ظلّ الوحدة في غير الجمع بإعطاء كلّ ذي حقّ بحسب استعداده واستحقاقه حقّه من جوده وكماله وتجليه فيه على قدر سعة وعائه { لا إله إلا هو } في المشهدين { العزيز } القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فلا يصل إليه أحد { الحكيم } الذي يدبر بحكمته كل شيء ، فيعطيه ما يليق به باعتبار التفصيل . { إنّ الدين عند الله } هو هذا التوحيد الذي قرّره بنفسه . فإنّ دينه دين إسلام الوجوه كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم : " أسلمت وجهي لله " أي : نفسي وجملتي ، وانخلعت عن أنانيتي ، ففنيت فيه . وأمر الله تعالى حبيبه عليه الصلاة والسلام فيما بعد بقوله : { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن } . { إنّ الذين يَكْفرون بآياتِ الله } أي : المحجوبين عن الدين { ويقتلون النبيين بغير حقّ } لكونهم محجوبين بدينهم لا يقبلون إلا ما هم عليه من التقيد والتقليد ، والأنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم { ويَقْتلون الذين يَأْمرون بالقِسْط من الناس } من أتباعهم ، إذ العدل ظلّ التوحيد ، فمن لم يكمل له لا يمكنه العدل ، وهم قد حجبوا بتقييدهم بدينهم ، فقد حجبوا بظلمهم عن العدل فخالفوهم وقتلوهم . { أولئك الذينَ حَبطت أعمَالهم } التي عملوها على دين نبيهم ، لأنهم كانوا بتقليد نبيهم ناجين بالمتابعة ، وأنبياؤهم كانوا شفعاءهم بتوسطهم بينهم وبين الله في وصول الفيض إليهم ، فإذا أنكروا النبيين وأتباعهم العادلين فقد خالفوا نبيّهم لأن الأنبياء كلهم على ملّة واحدة في الحقيقة هي ملّة التوحيد ، لا نفرّق بين أحد منهم في كونهم على الحقّ فمن خالف واحداً فقد خالف الكلّ ، وكذا من خالف أهل العدل من أتباع النبيين فقد ظلم ، ومن ظلم فقد خرج بظلمه عن المتابعة وأيضاً فمنكر الاتباع منكر المتبوعين ، ومنكر الظلّ منكر الذات خارج عن نورها . وإذا خالفوا نبيّهم لم يبق بينهم وبينه من الوصلة والمناسبة ما تمكن به الاستفاضة من نوره ، فحجبوا عن نوره وكانت أعمالهم منوّرة بنوره لأجل المتابعة ، لا نور ذاتيّ لها ، إذ لم تكن صادرة عن يقين ، فإذا زال نورها العارضي باحتجابهم عن نبيهم فقد أظلمت وصارت كسائر السيئات من صفات النفس الأمّارة ، وفيه ما سمعت غير مرّة من قتل كفار قوي النفس الأمّارة أنبياء القلوب والآمرين بالقسط من القوى الروحانية .