Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 15-15)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فإن أدركه التوفيق الإلهيّ والتنبيه السريّ ، وقارنه الإنباء النبوي كما قال : { قل أؤنبئكم بخَير من ذلكم } انبعث من باطنه شوق وعشق لحركة العلويّ إلى مركزه ، واشتعلت ناره التي قد خمدت ، وتتتابع عليه لوامع الأنوار الإلهية وطوالع الإشراقات القدسية ، فاستنار نور بصيرته الذي قد انطفأ ، ورقّت الحجب التي منعت فطرته عن طلب المقرّ والمأوى ، وتنغص عيشه الذي هو فيه فتكدّر ما هو عليه ، واستظلم ما كان قد استصفاه من الحياة الدنيا وسكنت في نفسه سورة الهوى بغلبة الجزء الروحانيّ على الجسماني ، وذاق طعم ماء فرات الحياة الحقيقية فلم يصبر على الملح الأجاج وباشر قلبه خطرات اليقين بجريعات شربها من الماء المعين ، فعلم أنه كان أكمن في سرب من الأرض ، فاستلمع ضوء الكواكب ليلاً وظنه نهاراً ، فخرج فإذا هو ببريّة فيها ماء زعاق وأنواع من الحشائش كالخمخم والجرجير ونحوها ، فظنها رياحين وثماراً ، فجلس بما وجد عن ضياء الشمس وألوان الطيب والفواكه ، فعزم على رحيل الأوبة وغشيته وحشة الغربة ، فانتقى ما استطاب واستحلى . ثم سار وخلى حتى إذا أضاء نور صبح عين اليقين ، وحان وقت طلوع شمس الوحدة ، رأى جنة تحيّر فيها بصره ودهش في وصفها عقله ، وكان ما كان مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . فإذا أفاق وقد طلعت الشمس ، وجد فيها ألافاً وأحباباً وعرف أنه كان له مثوى ومآباً ، ورجع إليه الأنس ، ونزل محلة القدس ، بدار القرار في جوار الملك الغفّار ، وأشرقت عليه سبحات وجهه الكريم ، وحلّ بقلبه روح الرضا العميم ، وذلك معنى قوله : { للذين اتقوا عند ربهم جنّات تجري من تحتها الأنهار } إلى قوله : { والله بصير بالعباد } ، فالجنّات جنّات الأفعال ، والأزواج أصناف روحانيات عالم القدس ، والرضوان جنّات الصفات .