Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-41)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هنالك دعا زكريا ربّه } كان زكريا شيخاً هرماً ، وكان مقدّماً للناس ، إماماً ، طلب من ربّه ولداً حقيقياً يقوم مقامه في تربية الناس وهدايتهم كما أشار إليه في سورة ( كهيعص ) فوهب له يحيى من صلبه بالقدرة ، بعدما أمر باعتكاف ثلاثة أيام ولك التأويل بالتطبيق على أحوالك وتفاصيل وجودك كما علمت ، وهو أنّ الطبيعة الجسمانية ، أي : القوة البدنية . امرأة عمران الروح نذرت ما في قوّتها من النفس المطمئنة لله تعالى بانقيادها لأمر الحق ومطاوعتها له ، فوضعت أنثى النفس فكفلها الله ، زكريا الفكر ، بعدما تقبلها لكونها زكيّة ، قدسيّة ، فكلما دخل عليها زكريا الفكر محراب الدماغ وجد عندها رزقاً من المعاني الحدسيّة التي انكشفت عليها بصفائها من غير امتياز الفكر إيّاها . فهنالك دعا زكريا الفكر ، تركيب تلك المعاني واستوهب من الله ولداً طيباً مقدّساً عن لوث الطبيعية ، فسمع الله دعاءه ، أي : أجاب ، فنادته ملائكة القوى الروحانية وهو قائم بأمره في تركيب المعلومات ، يناجي ربّه باستنزال الأنوار ، ويتقرّب إليه بالتوجه إلى عالم القدس في محراب الدماغ . { إنّ الله يبشرك بيحيى } العقل بالفعل { مصدّقاً } بعيسى القلب ، مؤمناً به ، وهو كلمة من الله لتقدّسه عن عالم الأجرام والتولّد عن الموادّ { وسيداً } لجميع أصناف القوى { وحصوراً } مانعاً نفسه عن مباشرة الطبيعة الجسمانية وملابسة طبائع القوى البدنية { ونبيّاً } بالإخبار عن المعارف والحقائق الكلية ، وتعليم الأخلاق الجميلة ، والتدابير السديدة بأمر الحق { من الصالحين } . ومن جملة المفارقات والمجرّدات التي تصلح بأفعالها أن تكون من مقرّبي حضرة الله تعالى بعد أن بلغ الفكر كبر منتهى طوره ولم يكن منتهياً إلى إدراك الحقائق القدسية ، والمعارف الكلية . وكانت امرأته التي هي طبيعة الروح النفسانية لأنها محل تصرّف الفكر عاقراً بالنور المجرّد . وعلامة ذلك ، أي : علامة حصول النور المجرّد وظهوره من النفس الزكيّة ، إمساكه عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مطالبهم ومآربهم ومخالطتهم في فضول لذّاتهم وشهواتهم ثلاثة أيام ، كلّ يوم عقد تامّ من أطوار عمره عشر سنين ، إلا أن يرمز إليهم بإشارة خفيّة ، ويأمرهم بتسبيحهم المخصوص بكل واحد منهم من غير أن يدنو منهم في مقاصدهم ، وأن يشتغل في الأيام الثلاثة التي مداها ثلاثون سنة من ابتداء سنّ التمييز ، الذي هو العشر الأول ، بذكر ربّه في محراب الدماغ والتسبيح المخصوص به دائماً .