Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 91-95)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } إذ لا تقبل هناك إلا الأمور النورانية الباقية لأن الآخرة هي عالم النور والبقاء ، فلا وقع ولا خطر للأمور الظلمانية فيها الفانية . وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم إلا محبّة هذه الفواسق الفانية ؟ ، فكيف تكون سبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وندبتهم وهي بعينها سبب هلاكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم . { لن تَنَالوا البرّ } كلّ فعل يقرّب صاحبه من الله فهو برّ ، ولا يمكن التقرّب إليه إلا بالتبرّي عما سواه ، فمن أحب شيئاً فقد حجب عن الله تعالى به وأشرك شركاً خفيّاً لتعلق محبته بغير الله ، كما قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّه } [ البقرة ، الآية : 165 ] وآثر نفسه به على الله ، فقد بعُدَ من الله بثلاثة أوجه وهي : محبة غير الحق ، والشرك ، وإيثار النفس على الحق . فإن آثر الله به على نفسه وتصدّق به وأخرجه من يده ، فقد زال البعد وحصل القرب ، وإلا بقي محجوباً وإن أنفق من غيره أضعافه فما نال برّاً لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره . { كلّ الطعام كان حلاًّ لبَنِي إسْرَائِيل } أي : العقلاء بحكم الأصل ، إذ العقل يحكم بأن الأشياء خلقت لمنافع العباد مطلقاً فما يكون من جملة المطعومات خلقت لتناولها { إلاّ ما حرّم إسرائيل } الروح { على نَفْسه } بالنظر العقليّ عند التجربة والقياس ومعرفة مضارها ومنافعها على التفصيل بعد الحكم الإجمالي بحلها ، فإن العقل يحكم بحرمة ما يضرّ أو يهلك . { من قبل أن تنزّل التوراة } أي : من قبل نزول الحكم الشرعي بالتوراة وسائر الكتب الإلهية وذلك أن الناس اختلفوا بعدما كانوا أمّة واحدة على دين الحق ، كما ذكر ، فبعث الله النبيين لهدايتهم وإصلاح أحوال معاشهم ومعادهم ، وردّهم إلى الحق والاتفاق ، فما اقتضت الحكمة الإلهية بحسب أحوالهم المختلة وطباع قلوبهم المخرّفة ونفوسهم المريضة ، حرمته من المألوفات والأشياء الصارفة عن الحق الحاجبة بينهم وبين الله ، والمهيجة للهوى والشهوات وسائر المفاسد والفتن المانعة إياهم عن كمالهم واهتدائهم حرّم عليهم .