Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 96-97)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إن أوّل بيت وُضِعَ للناس } قيل : هو أوّل بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه قبل الأرض بألفيّ عام ، وكان زبدة بيضاء على وجه الماء ، فدُحِيتَ الأرض تحته . فالبيت إشارة إلى القلب الحقيقيّ ، وظهوره على وجه الماء تعلقه بالنطفة عند سماء الروح الحيوانيّ ، وأرض البدن وخلقه قبل الأرض إشارة إلى قدمه ، وحدوث البدن وتعيينه بألفيّ عام إشارة إلى تقدّمه على البدن بطورين : طور النفس ، وطور القلب . تقدّماً بالرتبة ، إذ الألف رتبة تامة كما سبقت الإشارة إليه ، وكونه زبدة بيضاء إشارة إلى صفاء جوهره ، ودحو الأرض تحته إشارة إلى تكوّن البدن من تأثير ، وكون أشكاله وتخطيطاته وصور أعضائه تابعة لهيئاته فهذا تأويل الحكاية . واعلم أن محل تعلق الروح بالبدن ، واتصال القلب الحقيقي به أولاً هو القلب الصوري ، وهو أول ما يتكوّن من الأعضاء ، وأول عضو يتحرك وآخر عضو يسكن فيكون أول بيت وضع للناس { للذي بِبَكّة } الصدر صورة أو أوّل متعبد ومسجد وضع للناس للقلب الحقيقي الذي ببكة الصدر المعنويّ ، وذلك الصدر أشرف مقام من النفس وموضع ازدحامات القوى المتوجهة إليه { مُبَاركاً } ذا بركة إلهية من الفيض المتصل منه بجميع الوجود والقوّة والحياة ، فإنّ جميع القوى التي في الأعضاء تسري منه أولاً إليها { وهُدىً للعَالَمين } سبب هداية ونور يهتدى به إلى الله { فيه آيات بينات } من العلوم والمعارف والحِكَم والحقائق { مقَام إبراهيم } أي : العقل الذي هو موضع قدم إبراهيم الروح ، يعني محلّ اتصال نوره من القلب { ومن دَخَله } من السالكين والمتحيرين في بيداء الجهالات { كان آمناً } من إغواء سعالى المتحيلة ، وعفاريت أحاديث النفس ، واختطاف شياطين الوهم ، وجنّ الخيالات ، واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها . { ولله على الناس حجّ } هذا { البَيت } والطواف به { من استَطَاعَ إليهِ سَبيلاً } من السالكين ، المستعدّين الصادقين في الإرادة ، القادرين على زاد التقوى ، وراحلة قوّة العزم دون من عداهم من الضعاف في الاستعداد ، القاعدين من الضعف والمرض وسائر الموانع الخلقية أو العارضة النفسانية أو البدنية { ومن كَفَرَ } أي : حجب استعداده مع القدرة وأعرض عنه بهوى النفس { فإنّ الله غنيٌّ } عنه و { عنِ العَالمين } كلهم ، أي : لا يلتفت إليه لبعده وكونه غير قابل لرحمته في ذلّ الحجاب ، وهو أن الحرمان مخذولاً مردوداً .