Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-99)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إن الذين توفاهم الملائكة } إلى آخره ، التوفي هو : استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه ، وهو على ثلاثة أوجه : توفي الملائكة ، وتوفي ملك الموت ، وتوفي الله . أما توفي الملائكة فهو لأصحاب النفوس وهم إما سعداء أهل الخير والصفات الحميدة والأخلاق الحسنة من الصالحين المتّقين { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل ، الآية : 32 ] فمعادهم إلى جنة الأفعال . وإما أشقياء أهل الشرّ والصفات الرديئة والأخلاق السيئة فلا يقبض أرواحهم إلا القوى الملكوتية التي هي للعالم بمثابة قواهم التي هم في مقامها ، محتجبون بصفات النفس ولذّات القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم } [ النحل ، الآية : 28 ] فمعادهم إلى النار . وأما توفي ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب ، ورجعوا إلى الفطرة ، فتنوّروا بنورها ، فتقْبض أرواحهم النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم بها ، هذا إذا قبض أرواحهم ملك الموت بنفسه ، أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق الأول . وقد يقبض بنفسه ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب رذائلهم ويتخلصوا ، وذلك للكمال العلميّ والنقصان العلميّ كما خلص من الجهل والشرك وتحلّى بالعلم والتوحيد ، ولكن تراكمت على قلبه الهيئات المظلمة والملكات الرديئة بسبب الأعمال السيئة والأخلاق الذميمة . وللعلم بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء ، فينهمك في المعاصي كما قال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُم } [ السجدة ، الآية : 11 ] . وأما توفي الله تعالى ، فهو للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربّهم حجاب ، فهو يتولى قبض أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [ مريم ، الآية : 85 ] ، كما قال تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ موْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] . { ظالِمي أنْفسهم } بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكمالات المودعة فيها { فِيمَ كُنْتم } حيث قصرتم في السعي لما قدرتم وفرّطتم في جنب الله ، وقصرتم عن بلوغ كمالكم الذي هيئ لكم وندبتم إليه { قالوا كنا مُسْتَضْعَفِين } في أرض الاستعداد الذي جبلنا عليه باستيلاء قوى النفس الأمّارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان الوهم ، أسرونا في قيودهم ، وجبرونا على دينهم ، وأكرهونا على كفرهم . { قالوا ألم تكن أرض الله واسعة } ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا فيها من مبدأ فطرتكم خطوات يسيرة ، بحيث إذا ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى ، وتقوّيتم بإمداد أعوانكم القوى الروحانية ، ونصرتم بأنوار القلب ، فخرجتم عن القرية ، الظالم أهلها ، التي هي مدينة النفس إلى بلد القلب الطيبة ، فتداركتكم رحمة ربكم الغفور { فأولئِكَ مأوَاهُم جهنم } نفوسهم الشديدة التوقان مع حصول الحرمان { وساءت مصِيراً إلا المُسْتضعفين من الرجَال } أي : أقوياء الاستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوّة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذهبوا لقواهم الوهمية والخيالية ، فيبطلوا استعداداتهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم البدنية مع تنوّر استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود { والنساء } أي : القاصرين الاستعداد عن درك الكمال العلمي ، وسلوك طريق التحقيق ، الضعفاء القوى والأحلام ، الذين قال في حقهم : " أكثر أهل الجنة البله " . { والوِلْدان } أي : الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة تلحقهم من قبل صفات النفس { لا يستطيعون حيلة } لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة { ولا يَهْتَدون سبيلاً } لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية { فأولئِكَ عسى الله أنْ يَعْفو عَنهم } بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم { وكان الله عفوّاً } العفو عن الذنوب ما دامت الفطرة لم تتغير { غَفُوراً } يستر بنور صفاته صفات نفوسهم .