Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 66-96)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولو أنّا كتبنا } أي : فرضنا { عليهم أن اقْتلوا أَنْفُسكم } بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها { أو اخرجوا من دِيَاركم } مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها ، لكونها حاجبة عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور قدّس الله روحه لإبراهيم بن أدهم رحمه الله ، لما سأله عن حاله ، وأجابه بقوله : أدور في الصحاري ، وأطوف في البراري ، حيث لا ماء ولا شجر ولا روض ولا مطر ، هل يصح حالي في التوكل أم لا ؟ ، فقال : إذا أفنيت عمرك في عمران بطنك فأين الفناء في التوحيد ؟ . { ما فَعَلوه إلا قليلٌ منهم } وهم : المحبون المستعدّون للقائه ، الأكثرون قدر الأقلون عدداً كما قال تعالى : { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ ص ، الآية : 24 ] ، { لكان خيراً لهم } بحسب كمالهم الحاصل لهم عند رفع حجب صفات النفس بالاتصاف بصفات الحق أو بالوصول إلى عين الجمع { وأشدّ تثبيتاً } بالاستقامة في الدين عند البقاء بعد الفناء { وإذاً لآتَيْنَاهم من لدُنا أجراً عظيماً } من تجليات الصفات عند قتل النفس { ولهديناهم صِراطاً مُستقيماً } عند الخروج عن الديار ، أي : منازل النفس والمقامات ، وهو طريق الوحدة والاستقامة في التوحيد { ومن يُطِع الله } بسلوك طرق التوحيد والجمع { والرسول } بمراعاة التفصيل { فأولئكَ مع الذينَ أنعم الله عليهم } بالهداية { من النبيّين والصديقين } الذين صدقوا بنسبة الأفعال والصفات إلى الله ، بالانخلاع عن صفاتهم والاتصاف بصفاته ولو ظهروا بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين { والشهداء } اي : أهل الحضور { والصالحين } أي : أهل الاستقامة في الدين . { ذلك الفَضل } أي : التوفيق لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم . { عليماً } يعلم ما في استعدادهم من الكمال فيظهره عليهم { خذوا حذركم } أي : ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهلاكه إياكم بالإغواء ، ومن ظهور صفات نفوسكم واستيلائها عليكم ، فإنها أعدى عدوّكم { فانْفروا ثبات } اسلكوا في سبيل الله جماعات ، كلّ فرقة على طريقة شيخ كامل عالم { أو انْفروا جميعاً } في طريق التوحيد والإسلام على متابعة النبيّ { وإنْ تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله } إلى آخره ، ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى الله والشرور إلى الناس ، يتشبهون بالمجوس في الثبات ، مؤثرين مستقلين في الوجود ، وإضافتهم الشرور إلى الرسول لا إلى أنفسهم كانت لأنه باعثهم ومحرّضهم على ما يلقون بسببه الشرّ عندهم . فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوتهم إلى توحيد الأفعال ونفي التأثير عن الأغيار والإقرار بكونه فاعل الخير والشرّ بقوله : { قل كلّ من عند الله فَمالِ هؤلاء القَوم لا يكَادُون يَفْقهون حَديثاً } لاحتجابهم بصفات النفوس وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي . ثم بيّن أنّ لله فضلاً وعدلاً ، فالخيرات والكمالات كلها من فضله ، والشرور من عدله ، أي : يقدرها علينا ويفعلها بنا لاستعداد واستحقاق فينا يقتضي ذلك . وذلك الاستحقاق إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة للعقاب لا بفعل آخر كما نسبوا ما أصابهم من الشرّ إلى الرسول ، لأن الاستحقاق مرتب على الاستعداد ، ولا يعرض ما يقتضيه استعداد أحد لغيره ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام ، الآية : 164 ] ، فكذّبهم وخطّأهم في قدريتهم بإثبات أنّ : السبب الفاعليّ للخير والشرّ ليس إلا لله وحده بمقتضى فضله وعدله . وأما السبب القابلي فهو وإن كان أيضاً منه في الحقيقة إلا أن قابلية الخير هو من الاستعداد الأصلي الذي هو من الفيض الأقدس الذي لا مدخل لفعلنا واختيارنا فيه ، وقابلية الشرّ من الاستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والأفعال الحاجبة للقلب ، المكدّرة لجوهره ، حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبلايا والنوائب لا من قِبَل الرسول أو غيره .