Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 19-32)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مرج البحرين } بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأجاج وبحر الروح المجرد الذي هو العذاب الفرات { يلتقيان } في الوجود الإنساني { بينهما برزخ } هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الأرواح المجردة ولطافتها ولا في كدورة الأجساد الهيولانية وكثافتها { لا يبغيان } لا يتجاوز حدّهما حدّه فيغلب على الآخر بخاصيته فلا الروح يجرّد البدن ويمزج به ويجعله من جنسه ولا البدن يجمد الروح ويجعله مادياً ، سبحان خالق الخلق القادر على ما يشاء . { يخرج منهما } بتركيبهما والتقائهما لؤلؤ العلوم الكلية ومرجان العلوم الجزئية ، أي : لؤلؤ الحقائق والمعارف ومرجان العلوم النافعة كالأخلاق والشرائع . { وله الجوار } أي : أوضاع الشريعة ومقامات الطريقة التي يركبها السالكون ، السائرون إلى الله في لجّة هذا البحر المريح ، فينجون ويعبرون إلى المقصد . وتشبيهها بالأعلام إشارة إلى شهرتها وكونه معروفة كما تسمى شعائر الله ومعالم الدين . { المنشآت } أي : المرفوعات الشرع وشرعها الأشواق والإرادات التي تجري عند ارتفاعها وتعلقها بالعالم العلوي بقوة رياح النفحات الإلهية سفينة الشريعة والطريقة براكبها إلى مقصد الكمال الحقيقي الذي هو الفناء في الله ، ولهذا قال عقيبه : { كل من عليها فان } أي : كل من على الجواري السائرة واصل إلى الحق بالفناء فيه ، أو كل من على أرض الجسد من الأعيان المفصلة كالروح والعقل والقلب والنفس ومنازلها ومقاماتها ومراتبها ، فانٍ عند الوصول إلى المقصود { ويبقى وجه ربّك } الباقي بعد فناء الخلق ، أي : ذاته مع جميع صفاته { ذو الجلال } أي : العظمة والعلوّ بالاحتجاب بالحجب النورانية والظلمانية والظهور بصفة القهر والسلطنة { والإكرام } بالقرب والدنو في صور تجليات الصفات وعند ظهورالذات بصفة اللطف والرحمة . { يسأله من في السموات } من أهل الملكوت والجبروت { ومن في الأرض } من الجنّ والإنس ، والمراد : يسأله كل شيء فغلب العقلاء وأتى بلفظ من أي كل شيء يسأله بلسان الاستعداد والافتقار دائماً . { كل يوم هو في شأن } بإفاضة ما يناسب كل استعداد ويستحقه فله كل وقت في كل خلق شأن بإفاضة ما يستحقه ويستأهله باستعداده ، فمن استعدّ بالتصفية والتزكية للكمالات الخيرية والأنوار يفيضها عليه مع حصول الاستعداد ، ومن استعدّ بتكدير جوهر نفسه بالهيئات المظلمة والرذائل ولوث العقائد الفاسدة ، والخبائث للشرور والمكاره وأنواع الآلام والمصائب والعذاب والوبال يفيضها عليه مع حصول الاستعداد . وهذا معنى قوله : { سنفرغ لكم أيُّه الثقلان } لأنه تهديد وزجر عن الأمور التي بها يستحق العقاب ، وسميا ثقلين لكونهما سفليين مائلين إلى أرض الجسم .