Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 33-40)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يا معشر الجنّ والإنس } أي : الباطنيين و الظاهريين { إن استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والأرض } بالتجرّد عن الهيئات الجسمانية والتعلقات البدنية { فانْفذوا } لتنخرطوا في سلك النفوس الملكية والأرواح الجبروتية ، وتصلوا إلى الحضرة الإلهية { لا تنفذون إلا بسلطان } بحجة بينة هي التوحيد والتجريد والتفريد بالعلم والعمل والفناء في الله . { يرسل عليكما شواظ من نار } أي : يمنعكما عن النفوذ من أقطارهما والترقي من أطوارهما لهب صاف عن ممازجة الدخان ، أي : سلطان الوهم وأحكامه ومدركاته بإرساله الوهميات إلى حيز العقل والقلب وممانعته إياهما عن الترقي دائماً { ونحاس } دخان ، أي : هيئة ظلمانية ترسلها النفس الحيوانية بالميل إلى الهوى والشهوات ، فالشواظ مانع من جهة العلم والنحاس من جهة العمل { فلا تنتصران } فلا تمتنعان عنهما وتغلبان عليهما فتنفذان إلا بتوفيق الله وسلطان التوحيد . { فإذا انشقت السماء } أي : السماء الدنيا وهي النفس الحيوانية ، وانشقاقها انفلاقها عن الروح عند زهوقه إذ الروح الإنساني نسبته إلى النفس الحيوانية كنسبته إلى البدن . فكما أن حياة البدن بالنفس فحياتها بالروح فتنشق عنه عند زهوقه بمفارقة البدن { فكانت وردة } أي : حمراء لأن لونها متوسط بين لون الروح المجرّد وبين لون البدن ، ولون الروح أبيض لنوريته وإدراكه اللذات ولون البدن أسود لظلمته وعدم شعوره باللذات ، والمتوسط بين الأبيض والأسود هو الأحمر ، وإنما وصفها في سورة ( البقرة ) بالصفرة وها هنا بالحمرة لأن هناك وقت الحياة والصفاء وغلبة النورية عليها وطراوة الاستعداد وها هنا وقت الممات والتكدّر وغلبة الظلمة عليها وزوال الاستعداد { كالدهان } كدهن الزيت في لونه ولطافته وذوبانه لصيرورتها إلى الفناء والزوال . { فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس } من الظاهريين { ولا جان } من الباطنيين لانجذاب كل إلى مقرّه ومركزه وموطنه الذي يقتضيه حاله وما هو الغالب عليه باستعداده الأصلي أو العارضي الراسخ الغالب . وأما الوقف والسؤال المشار إليه في قوله : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [ الصافات ، الآية : 24 ] ونظائره ، ففي مواطن أخر من اليوم الطويل الذي كان مقداره خمسين ألف سنة وهو في حال عدم غلبة إحدى الجهتين واستيلاء أحد الأمرين ، ففي زمان غلبة النور الأصلي وبقاء الاستعداد الفطري أو حصول الكمال والترقي في الصفات ، وفي وقت استيلاء الهيئات الظلمانية وترسخ الغواشي الجسمانية وزوال الاستعداد الأصلي بحصول الرين لا يسئلون ، وفي وقت عدم رسوخ تلك الهيئات إلى حدّ الرين وبقائها في القلب مانعة ، حاجزة إياها عن الرجوع إلى مقرّها ، يوقفون ويسئلون حتى يعذبوا بحسب سيئاتهم على قدر رسوخها ، وقد يكون هذا الموطن قبل الموطن الأول في ذلك اليوم على الأمر الأكثر كما ذكر وقد يكون بعده ، وذلك عند حبط الأعمال وغلبة الأمر العارضي و استيلائه على الذاتي إلى حد إبطال الاستعداد بالكلية فيدافعه الاستعداد الأصلي قليلاً قليلاً ويتجلى بصور التعذّبات والبليّات شيئاً فشيئاً ، حتى يتساوى الأمران كتبرّد الماء المسخّن حين بلوغه إلى كونه فاتراً ، فهذا الشخص مطرود في أول الأمر عند قرب الاستعداد إلى الزوال ثم قد يوقف ويسئل عند قرب رجوع الاستعداد إلى الحالة الأولى وإمكان اتصاله بالملكوت . وأما الأشقياء المردودون ، المخلّدون في العذاب ، والسعداء المقرّبون الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، فلا يسئلون قط ولا يوقفون للسؤال . فقوله : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [ الصافات ، الآية : 24 ] ونظائره مخصوص ببعض المعذبين ، وهم الأشقياء الذين عاقبتهم النجاة من العذاب .