Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 147-158)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ والذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } أي : ستروا بصفاتهم صفاتنا وبأفعالهم أفعالنا فوقفوا مع الآثار وعموا عن لقاء الآخرة وجنة النفوس والأفعال { حبطت أعمالهم } ولو كان التكذيب بالصفات مجرداً عن التكذيب بلقاء الآخرة لما حبطت أعمالهم ، وإن عذبوا حيناً بنوع من العذاب { سبعين رجلاً } من أشرافهم ونجبائهم أهل الاستعداد وصفاء النفس والإرادة والطلب والسلوك وهم المصعوقون في قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [ الذاريات ، الآية : 44 ] . { فلما أخذتهم الرجفة } أي : رجفة جبل البدن التي هي من مبادئ صعقة الفناء عند طيران بوارق الأنوار وظهور طوالع تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها ، ولهذا قال موسى عليه السلام عندها : { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي } إذ لا قول لموسى عليه السلام عند الصعقة ولا لهم لفنائهم عندها ، وقوله عليه السلام : { ربّ لو شئت } ، كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق ، كما قال محمد صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة : " ليت أمي لم تَلدني ، وكذا ليت ربّ محمد لم يخلق محمداً " ، وهمّ بإلقاء نفسه عن الجبل . ولو هذه للتمني . { أتُهلِكنا } بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق { بما فعل السفهاء منّا } من عبادة عجل هوى النفس والاحتجاب بصفاتها أو بما صدر منا حالة السفه قبل التيقظ والاستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة والاعتبار من الوقوف مع النفس وصفاتها { إن هي إلا فتنتك } أي : ما هذا الابتلاء بصفات النفس وعبادة الهوى إلا ابتلاؤك لا مدخل فيها لغيرك { تضلّ من تشاء } من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى { وتهدي من تشاء } من أهل السعادة والعناية والعلم والهدى ، قالها في مقام تجلي الأفعال . { أنت } متولي أمورنا القائم بها { فاغفر لنا } ذنوب صفاتنا وذواتنا كما غفرت لنا ذنوب أفعالنا { وارحمنا } بإفاضة أنوار شهودك ورفع حجاب الأينية بوجودك { وأنت خير الغافرين } بالمغفرة التامة . { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة } العدالة والاستقامة بالبقاء بعد الفناء { وفي الآخرة حسنة } المشاهدة والزيادة { إنّا هدْنَا } رجعنا { إليك } عن ذنوب وجودنا { قال عذابي } أي : عذاب الشوق المخصوص بي الحاصل من جهتي ، وإن كان أليماً لشدّة ألم الفراق ، لكنه أمر عزيز خطير { أُصِيب به من أشاء } من أهل العناية من عبادي الخاصة بي { ورحمتي وسعت كل شيء } لا تختص بأحد دون أحد غيره وشيء دون شيء ، ففي هذا العذاب رحمة لا يبلغ كنهها ولا يقدر قدرها من رحمة لذة الوصول التي قال فيها : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة ، الآية : 17 ] مع كونه لذيذاً لا يقاس بلذّته لذّة ، كما قال أحدهم : @ وكل لذيذ قد نلت منه سوى ملذوذ وجدي بالعذاب @@ ولعمري إنّ هذا العذاب أعزّ من الكبريت الأحمر . وأما الرحمة فلا يخلو من حظ منها أحد { فَسَأكتُبها } تامة كاملة رحيمية كتبة خاصة { للذين يتّقون } الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من الأموال والأخلاق والعلوم والأحوال على مستحقيها { والذين هم } بجميع صفاتنا يتصفون وهم { الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ } في آخر الزمان ، أي : المحمديون الذين اتّبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى له : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال ، الآية : 17 ] ، وبقوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم ، الآية : 3 ] ، وقوله تعالى : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم ، الآية : 17 ] . وفي إيتاء الزكاة قوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [ الضحى ، الآيات : 10 - 11 ] ، وفي الإيمان بالآيات قوله صلى الله عليه وسلم : " أوتيت جوامع الكِلَم ، وبُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق " .