Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-23)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إذ يغشيكم } نعاس هدوّ القوى البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة أمناً من عند الله وطمأنينة { وينزل عليكم من } سماء الروح { ماء } علم اليقين { ليطهركم به } من خبث أحاديث النفس وهواجس الوهم { ويُذْهب عنكم رجز } وسوسة { الشيطان } وتخويفه { وليربط على قلوبكم } أي : ليقوي قلوبكم بقوة اليقين ويسكن جأشكم { ويثبت به الأقدام } إذ الشجاعة وثبات القدم في المخاوف والمهالك لا تكون إلا بقوة اليقين . { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم } أي : يمدّ الملكوت بالجبروت فيعلموا من عالم الجبروت أن الله ناصرهم { فثبتوا الذين آمنوا } بالتأييد الاتصالي { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } لانقطاعهم عن الإمداد السماوي والتأييد الإلهي واستيلاء الشك وقوّة الوهم عليهم { فاضْربوا فوقَ الأعْنَاق } أي : ثبتوهم بتلقين هذا المعنى ، وشجعوهم بإلقاء هذا القول عليهم أو بإراءتهم هذا الفعل منكم كما هو المروي . { فلمْ تَقْتلوهم } أدّبهم وهداهم إلى فناء الأفعال بسلب الأفعال عنهم وإثباتها لله تعالى . ولما كان النبي عليه الصلاة والسلام في مقام البقاء بالحق نسب الفعل إليه بقوله : { إذ رميت } مع سلبه عنه بما رميت وإثباته لله بقوله : { ولكن الله رمى } ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع ، فيكون الرامي محمداً بالله تعالى لا بنفسه ، وما نسب إليهم من الفعل شيئاً إذ لو فعلوا لفعلوا بأنفسهم { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً } أي : عطاء جميلاً هو توحيد الأفعال فعل ذلك { إنّ الله سميع } بأحاديث نفوسكم ، أنّا قتلناهم { عليم } بأنه هو القاتل وإن أظهر الفعل على مظاهركم { ولا تولوا عنه وأنتم تَسْمَعون } اي : لا تعرضوا عنه مع السماع لأنّ أثر السماع الفهم والتصديق ، وأثر الفهم الإرادة ، وأثر الإرادة الطاعة ، فلا يصح دعوى السماع مع الإعراض إذ هما لا يجتمعان ، فلازموا الطاعة بالإرادة إن كنتم صادقين في دعوى السماع { ولا تكونوا كالذين } يدعون السماع وليسوا منه في شيء لكونهم محجوبين عن الفهم والقبول كالدواب ، بل هم شرّ الدواب عند الله ، لما مرّ . { ولو علم الله فيهم خيراً } وصلاحاً ، أي : استعداداً لقبول كمال سمعهم حتى فهموا وقبلوا وأطاعوا { ولو أسمعهم } مع عدم الخير فيهم حتى فهموا لما كان لفهمهم أثر من الإرادة والطاعة ، بل توّلوا سريعاً لكون ذلك الفهم فيهم أمراً عارضياً سريع الزوال لا ذاتياً { وهم معرضون } بالذات ، فلا يلبث فيهم الفهم والإرادة كما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : " خذ الحكمة ولو من أهل النفاق ، فإنّ الحكمة لتتلجلج في صدر المنافق حتى تسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن " ، أي : لا تثبت في صدره لكونها عارضية هناك لا تناسب ذاته .