Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 7-7)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { صراط } بدل من الأول - بدل الكل من الكل - وهو في حكم تكرير العامل من حيث إنه المقصود بالنسبة ، وفائدته : التوكيد والتنصيص على أن طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة ، على آكد وجه وأبلغه لأنه جعله كالتفسير والبيان له ، فكأنه من البيِّن الذي لا خفاء فيه ، وأن الصراط المستقيم ما يكون طريق المؤمنين ، و { غير المغضوب عليهم } بدل من { الذين } على معنى أن المُنْعَمَ عليهم هم الذي سَلِمُوا من الغضب والضلال . أو صفة له مُبيَّنة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال ، وذلك إنما يصح بأحد تأويلين : إجراء الموصول مجرى النكرة ، إذ لم يُقصد به معهود كالمعرَّف في قوله : @ ولَقَد أَمُرُ علُى اللئيم يَسُبنّي @@ أو يُجعل { غير } مَعْرِفةً لأنه أُضيف إلى مآلَهُ ضدٍّ واحد ، وهو المنعمُ عليه ، فيتعينُ تَعيُّن الحركة غير السكون ، وإلا لزِم عليه نعت المعرفة بالنكرة . فتأملْهُ . والغضبُ : ثَوَرانُ النفس إرادةَ الانتقام ، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد غايته وهو العقوبة ، و { عليهم } نائب فاعل : و { لا } مَزيدة لتأكيد ما في { غير } من معنى النفي ، فكأنه قال : ولا المغضوب عليهم ولا الضالين ، وقرأ عمرُ رضي الله عنه : { وغير الضالين } ، والضلال : والعدول عن الطريق السوي عمداً أو خطأً ، وله عرض عَريضٌ والتفاوت بين أدناه وأقصاه كبير . قاله البيضاوي . وإنما أَسند النعمة إلى الله والغضبَ إلى المجهول تعليماً للأدب ، { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ … } [ النِّساء : 79 ] الآية . يقول الحقّ جلّ جلاله في تفسير الطريق المستقيم : هو طريق الذين أنعمتُ عليهم بالهداية والاستقامة ، والمعرفة العامة والخاصة ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، والمُنعَم عليهم في الآية مطلق ، يصدق كل منعَم عليه بالمعرفة والاستقامة في دينه ، كالصحابة وأضرابِهِمْ ، وقيل : المراد بهم أصحاب سيّيدنا موسى عليه السلام قبل التحريف . وقيل : أصحاب سيدنا عيسى قبل التغيير . والتحقيق أنه عام . قال البيضاوي : ونِعَمُ الله وإن كانت لا تُحصى كما قال الله : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } [ إبراهيم : 34 ] تنحصر في جنسين : دنيوي وأخروي . فالأول : وهو الدنيوي - قسمان : موهبي وكَسْبِي ، والموهبي قسمان : رُوحاني ، كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوي ، كالفهم والفكر والنطق ، وجسماني : كتخليق البدن بالقوة الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء . والكسبي : كتزكية النفس عن الرذائل ، وتحليتها بالأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة ، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحُلي المستحسنة ، وحصول الجاه والمال . والثاني : وهو الأُخروي : أن يغفر له ما فَرَطَ منه ويرضى عنه ويُبوأهُ في أعلى علِّيين ، مع الملائكة المقربين أبد الآبدين ، والمراد القسمُ الأخير ، وما يكون وُصْلة إلى نيله من القسم الأول ، وأما ما عدا ذلك فيشترك فيه المؤمن والكافر . هـ . قال ابن جُزَيّ : النعم التي يقع عليها الشكر ثلاثة أقسام ، دنيوية : كالصحة والعافية والمال الحلال . ودينية : كالعلم والتقوى والمعرفة . وأخرويةٌ : كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل : وقال أيضاً : والناس في الشكر على مقامين : منهم مَن يشكر على النعم الواصلة إليه ، الخاصة به ، ومنهم مَن يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم . والشكر على ثلاث درجات : فدرجة العوام ، الشكر على النعم ، ودرجة الخواص : الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال ، ودرجة خواص الخواص : أن يغيب عن رؤية النعمة بمشاهدة المُنعم . قال رجل لإبراهيم بن أدهَمَ رضي الله عنه : الفقراء إذا أُعْطُوا شَكَرُوا وإذا مُنعوا صَبَبروا ، فقال إبراهيم : هذه أخلاقُ الكلاب ، ولكن القومَ إذا مُنِعوا شكروا وإذا أُعْطُوا آثروا . هـ . ثم احترس من الطريق غير المستقيمة ، فقال : { غير المغضوب عليهم } أي : غير طريق الذين غضبت عليهم ، فلا تهدنا إليها ولا تسلك بنا سبيلها ، بل سلَّمنَا من مواردها . والمراد بهم : اليهود ، كذا فسرها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويَصْدُقُ بحسب العموم على كل من غضب الله عليهم ، { ولا الضالين } أي : ولا طريق الضالين ، أي : التالفين عن الحق ، وهم النصارى كما قال صلى الله عليه وسلم . والتفسيران مأخوذان من كتاب الله تعالى . قال تعالى في شأن اليهود : { فَبَآءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } [ البَقَرَة : 90 ] ، وقال في حق النصارى : { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ } [ المَائدة : 77 . واعلم أن الحق - سبحانه - قسم خلقه على ثلاثة أقسام : قسم أعدَّهم للكرم والإحسان ، ليُظْهِرَ فيهم اسم الكريم أو الرحيم ، وهو المنعم عليه بالإيمان والاستقامة . وقسم أعدَّهم للانتقام والغضب ، ليُظهر فيهم اسمه المنتقم أو القهار ، وهم المغضوب وعليهم والضالون عن طريق الحق عقلاً أو عملاً ، وهم الكفار ، وقسم أعدَّهم الله للحِلْم والعفو ، ليُظهر فيهم اسمه تعالى الحليم والعفو ، وهم أهل العصيان من المؤمنين . فمن رَامَ أن يكونَ الوجودُ خالياً من هذه الأقسام الثلاثة ، وأن يكون الناس كلهم سواء في الهداية أو ضدها ، فهو جاهل بالله وبأسمائه إذ لا بد من ظهور آثار أسمائه في هذا الآدمي ، من كرم وقهرية وحِلْم وغير ذلك . والله تعالى أعلم . الإشارة : الطريق المستقيم التي أمرنا الحق بطلبها هي : طريق الوصول إلى الحضرة ، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان ، وهو مقام التوحيد الخاص ، الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد ، وليس فوقه إلا مقامُ توحيد الأنبياء والرسل ، ولا بد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريق السير ، قد سلك المقامات ذوقاً وكشفاً ، وحاز مقام الفناء والبقاء ، وجمع بين الجذب والسلوك لأن الطريق عويص ، قليلٌ خُطَّارُهُ ، كثيرٌ قُطَّاعُه ، وشيطانُ هذا الطريق فَقِيهٌ بمقاماته ونوازِله ، فلا بد فيه من دليل ، وإلا ضلّ سالكها عن سواء السبيل ، وإلا هذا المعنى أشار ابن البنا ، حيث قال : @ وَإِنَّمَا القَوْمُ مُسَافِرُونَ لِحَضْرَةِ الْحَقِّ وَظَاعِنُونَ فَافْتَقَرُوا فِيهِ إلَى دَلِيل ذِي بَصَرٍ بالسَّيْرِ وَالْمَقِيلِ قَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ ثُمَّ عَادَ لِيُخْبِرَ الْقَوْمَ بِمَا اسْتَفَادَ @@ وقال في لطائف المنن : من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع ، ويكشف له عن قلبه القناع ، فهو في هذا الشأن لَقيطٌ لا أب له ، دَعِيٍّ لا نَسَبَ له ، فإن يكن له نور فالغالب غلبة الحال عليه ، والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه ، لم تَرْضْهُ سياسةُ التأديب والتهذيب ، ولم يَقُدْهُ زمَانمُ التربية والتدريب ، فهذا الطريق الذي ذكرنا هو الذي يستشعره القارئ للفاتحة عند قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } مع الترقي الذي ذكره الشيخ أو العباس المرسي رضي الله عنه المتقدم ، وإذا قرأ { صراط الذين أنعمت عليهم } استشعر ، أَيْ : أنعمتَ عليهم بالوصول والتمكين في معرفتك . وقال الورتجبي : اهدنا مُرَادَك مِنَّا لأن الصراط المستقيم ما أراد الحق من الخلق ، من الصدق والإخلاص في عبوديته وخدمته . ثم قال : وقيل : اهدنا هُدَى العِيَانِ بعد البيان ، لتستقيم لك حسب إرادتِك . وقيل : اهدنا هُدَى مَنْ يكون منك مبدؤه ليكون إليك منتهاه . ثم قال : وقال بعضهم : اهدنا ، أي : ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه ، منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحسن الأدب في الخدمة . ثم قال : وقال بعضهم : اهدنا ، أي : ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه ، وهو الإسلام ، وهو الطريق المستقيم والمنهاج القويم { صراط الذين أنعمت عليهم } أي : منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحسن الأدب في الخدمة . ثم قال : { غير المغضوب عليهم } يعني : المطرودين عن باب العبودية ، { ولا الضالين } يعني المُفْلِسين عن نفائس المعرفة . هـ . قلت : والأحسن أن يقال : { غير المغضوب عليهم } هم الذين أَوْقَفَهُمْ عن السير اتباعُ الحظوظ والشهوات ، فأوقعهم في مَهَاوِي العصيان والمخالفات ، { ولا الضالين } هم الذين حبسهم الجهل والتقليد ، فلم تنفُذْ بصائرهم إلى خالص التوحيد ، فنكصوا عن توحيد العيان إلى توحيد والبرهان ، وهو ضلال عند أهل الشهود والعِيان ، ولو بلغ في الصلاح غايةَ الإمكان . وقال في الإحياء : إذا قلت : { بسم الله الرحمن الرحيم } فافْهَمْ أن الأمور كلها بالله ، وأن المراد ها هنا المُسمَّى ، وإذا كانت الأمورُ كلها بالله فلا جرَم أنَّ الحمد كله لله ، ثم قال : وإذا قلت : { الرحمن الرحيم } فأحضرْ في قلبك أنواعَ لطفه لتتفتحَ لك رحمتُه فينبعث به رجاؤُك ، ثم استشعر من قلبك التعظيم والخوف من قولك : { يوم الدين } . ثم قال : ثم جَدَّد الإخلاص بقولك : { إياك نعبد } . وجدَّد العجز والاحتياج والتبرِّيَ من الحوْل والقوة بقولك : { وإياك نستعين } ، ثم اطلب اسم حاجتك ، وقل : { اهدنا الصراط المستقيم } الذي يسوقنا إلى جوارك ويُفضي بنا إلى مرضاتك ، وزِدْهُ شرحاً وتفصيلاً وتأكيداً ، واستشهد بالذين أفاض عليهم نعم الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين واليهود والنصارى والصابئين . هـ . ملخصاً . وقال القشيري : قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } الأمر في هذه الآية مضمر ، أي : قولوا : اهدنا . والصراط المستقيم : طريق الحق ، وهو ما عليه أهل التوحيد ، أي : أرشدْنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، فيقعَ على وجه التوحيد غُبَارُ الظنون والحسابات لتكون دليلنا عليك ، ثم قال : { صراط الذين أنعمت عليهم } أي : الواصلين بك إليك ، ثم قال : { غير المغضوب عليهم } بنسيان التوفيق والتَّعامِي عن رؤية التأييد ، { ولا الضالين } عن شهودِ سابقِ الاختيار ، وجريان تصاريف الأقدار . هـ .