Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 101-103)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : ماذا إن كانت استفهامية علقت انظروا عن العمل ، وإن كانت موصولة فمفعول به ، وما تغني الآيات : يحتمل الاستفهام في محل نصب بتُغني ، أو النفي . ثم ننجي معطوف على محذوف دل عليه : إلا مثل أيام أي : فكانت عادتنا معهم أن نهلك المكذبين ، ثم ننجي رسلنا ومن آمن معهم ، و " كذلك " مصدر معمول لننجي ، وحقاً اعتراض بينهما ، وهو مصدر لفعل محذوف ، أي : مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين يحق ذلك حقاً ، وعلى هذا يوقف على : الذين آمنوا ، ثم يُبْتدأ بقوله : كذلك حقاً … الخ . وقيل : خبر عن الذين آمنوا أي : والذين آمنوا مثلهم في الإنجاء ، وهو ضعيف . يقول الحق جل جلاله : { قل } للمشركين الذين طلبوا منك الآية : { انظروا ماذا في السماوات والأرضِِ } من الآيات والعِبَر ، وعجائب الصنع ليدلكم على وحدانية الله تعالى ، وكمال قدرته ، ثم بيَّن أن الآيات لا تفيد من سبق عليه الشقاء ، فقال : { وما تُغني الآياتُ والنُّذُرُ عن قوم لا يؤمنون } في علم الله وحُكمه ، ثم هددهم بالهلاك فقال : { هل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } أي : مثل وقائعهم ونزول العذاب بهم إذ لا يستحق غيره ، فهو من قولهم : أيام العرب ، لوقائعها . { قل } لهم : { فانتظروا } هلاككم { إني معكم من المنتظِرِين } لذلك ، أو فانتظروا هلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم ، { ثم نُنَجِّي رُسُلَنا } أي : عادتنا أن ننجي رسلنا { والذين آمنوا } معهم من ذلك الهلاك ، { كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين } من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نُهلك المجرمين حقاً واجباً علينا كما هي عادتنا مع من تحبب إلينا بالإيمان والطاعة . الإشارة : أمر الحق جل جلاله أهل النظر والاستبصار بأن ينظروا ماذا في السماوات والأرض من الأسرار والأنوار ، أمرهم أن يشاهدوا أسرار الذات وأنوار الصفات ، دون الوقوف مع الأجرام الحسِّيات ، أمرهم أن ينظروا المعاني خلف رقة الأواني ، لا أن يقفوا مع الأواني ، وإليه أشار ابن الفارض في خمريته ، حيث قال : @ ولُطفُ الأَواني في الحقيقة تَابعٌ لِلُطْفِ المَعَانِي ، والمَعَانِي بِها تَسْمُو @@ فالأكوان كلها أواني حاملة للطف المعاني ، وأصل الأواني معاني ، تحسست وتكثفت فمن لطَّف الأواني وذوّبها بفكرته رجعت معاني ، واتصلت المعاني بالمعاني ، وغابت حينئذٍ الأواني ، ولا يعرف هذا إلا من صحب أهل المعاني ، وهم أهل الفناء والبقاء ، ومن لم يصحبهم فحسبه الوقوف مع الأجرام الحسية ، ويستعمل فكرة التصديق والإيمان ، وهي عبادة التفكر والاعتبار والأولى فكرة أهل الشهود والاستبصار ، وفي أمثالهم قال الشاعر : @ هُم الرِّجالُ وغَبْنٌ أن يُقال لِمَن لَمْ يَتَّصِفْ بِمَعَانِي وَصْفِهِم رَجُلُ @@ وقد ذكر في الحِكَم هذه الإشارة فقال " أباح لك أن تنظر ما في المُكَوِّنات ، وما أباح لك أن تَقِفَ مع ذوات المكونات ، قل انظروا ماذا في السماوات فتح لك باب الأفهام ، ولم يقل : انظروا السماوات لئلا يدلك على وجود الأجرام " . ومن سبق له في العلم القديم الخذلان لا يخرج عن دائرة الأكوان ، فلا يؤمن بوجود أهل الشهود والعيان ، فما ينتظر مثل هذا إلا ما نزل بأمثالهِ ، من هجوم الحِِمام قبل خروجه من سجن الأجرام ، فإنه لا ينجو من سجن الأكوان إلا من صحب أهل العرفان ، الذين أفضوا إلى فضاء الشهود والعيان وقليل ما هم . ثم أمر نبيه بالتبرء من الشرك وأهله ، فقال : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ } .