Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 1-2)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : عجباً خبر كان ، واسمها : أن أوحينا ، ومن قرأ بالرفع فالأمر بالعكس ، أو كان تامة ، واللام متعلقة بعجباً ، وهو مصدر للدلالة على أنهم جعلوه أعجوبة لهم ، يتوجهون نحوه بإنكارهم واستهزائهم . قال في المغني : المصدر الذي ليس في تقدير حرف الموصول وصلته لا يمنع التقديم عليه ، على أن السعد قال في المطوّل : إن معمول المصدر إذا كان ظرفاً أو شبهة ، الأظهر أنه جائز التقديم ، قال تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } [ الصافات : 102 ] ، { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } [ النور : 2 ] مثل هذا كثير في الكلام ، وليس كل ما أول بشيء حكمُه حكم ما أول به ، مع أن الظرف مما يكفيه رائحة الفعل لأن له شأناً ليس لغيره لتنزله من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيه وعدم انفكاكه عنه ، ولهذا اتسع في الظروف ما لم يتسع في غيرها . هـ . يقول الحق جل جلاله : أيها الرسول المجتبى المختار { تلك } الآيات التي تنزل عليك هي { آياتُ الكتاب الحكيم } ، الذي اشتمل على الحكم الباهرة والعبر الظاهرة ، أو المحكم الذي لم ينسخ منه شيء بكتاب آخر بعده ، أو كلام حكيم . { أَكَانَ للناس } أي : كفار قريش وغيرهم { عَجَباً أن أوحينا إلى رجل منهم } ولم يكن من عظمائهم ؟ والاستفهام للإنكار ، والرد على من استبعد النبوة ، أو تعجب من أن يبعث الله رجلاً من وسط الناس . قيل : كانوا يقولون : العجب أن الله تعالى لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب . وهذا من فرط حماقتهم ، وقصور نظرهم على الأمور العاجلة ، وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة . هذا … وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقْصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه ، إلا في المال ، وخفةُ الحال أعون شيء في هذا الباب ، ولذلك كان أكثر الأنبياء قبله كذلك أي خفافاً من المال وقيل : تعجبوا من أنه بشراً رسولاً ، كما سبق في سورة الأنعام . قاله البيضاوي . ثم فسَّر الوحي المذكور فقال : { أن أنذر الناس } أي : أوحينا إليه بأن أنذر الناس أي : خوفهم من غضب ربهم ، { وبشّر الذين آمنوا } ، عمم الإنذار ، ليس من أحد إلا وفيه ما ينبغي أن ينذر منه ، وخصص البشارة إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به ، قاله البيضاوي . أي : بشر المؤمنون بأنَّ { لهم قَدَمَ صدْقٍ عند ربهم } أي : سابقة ومنزلة رفيعة ، سميت قدَماً لأن السبق يكون بها ، كما سميت النعمة يداً لأنها تُعْطى باليد ، وأضيفت إلى الصدق لتحققها وللتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية . قال ابن جزي : أي : عمل صالح قدموه ، وقال ابن عباس : السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ . هـ . وقال ابن عطية : والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح ، كما تقول : رجل صدقٍ ورجل سوْءٍ . هـ . { قال الكافرون إنَّ هذا } الكتاب ، أو ما جاء به الرسول ، { لسحر مبين } أي : بيَّن ظاهر ، وقرأ ابن كثير والكوفيون : { لساحر } ، على أن الإشارة إلى الرسول ، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول أموراً خارقة للعادة ، معجزة لهم عن المعارضة ، وكلامهم هذا يحتمل أن يكون تفسيراً لما ذكره قبلُ من تعجبهم ، أويكون مستأنفاً . الإشارة : تعجبُ الناس من أهل الخصوصية سُنة ماضية ، فكما خفي عن أعين الكفار سر النبوة ، خفي عن أعين الخفافيش سر الخصوصية ، فلا يطلع عليها إلا من سبق له قدم صدق عند ربه ، فسبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية فلم يدل عليها إلا من أراد أن يوصله إلى مشاهدة عظمة الربوبية . قال في لطائف المنن : فأولياء الله أهل كهف الإيواء ، فقليل من يعرفهم ، وسمعت الشيخ أبا العباس رضي الله عنه يقول : معرفة الولي أصعب من معرفة الله ، فإنَّ الله تعالى معروف بكماله وجماله ، ومتى تعرف مخلوقاً مثلك يأكل كما تأكل ، ويشرب كما تشرب ؟ ، وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته ، وأشهدك وجود خصوصيته . هـ . ثم فسّر عظمة ربوبيته ، فقال : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } .