Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 21-23)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : جاءتها " إذا " وجملة دعوا : بدل من " ظنوا " بدل اشتمال لأن دعاءهم من لوازم الظن . يقول الحق جل جلاله : { وإذا أذقنا الناسَ رحمةً } ، كصحة وعافية وخصب ، { من بعد ضراءَ مَستْهم } ، كمرض أو قحط { إذا لهم مكرٌ في آياتنا } بالطعن فيها ، والاحتيال في دفعها ، فقد قحط أهل مكة حتى أكلوا الجلود والميتة ، ثم رحمهم بالغيث ، فطعنوا في آياته بالتكذيب ، وكادوا رسوله عليه الصلاة والسلام - { قل اللهُ أسرعُ مكراً } منكم ، فقد دبر عقابكم قبل أن تدبروا كيدكم ، ووصف مكر الله بالسرعة وإن كان الاستدراج يمهلهم لأنه متيقن واقع لا محالة ، وكل آت قريب . { إنَّ رسلنا } الحفظة { يكتبون ما تمكرون } فنجازيكم عليه . قال البيضاوي : هو تحقيق للانتقام ، وتنبيه على أن ما يدبرون في إخفائه لم يَخفْ على الحفظة فضلاً أن يخفى على الله . وعن يعقوب : " يمكرون " بالياء ليوافق ما قبله . هـ . قال ابن جزي : هذه الآية للكفار ، وتتضمن النهي لمن كان كذلك عن غيرهم ، والمكر هنا : الطعن في آيات الله وترك شكره ، ومكر الله الموصوف بالسرعة هو عقابه لهم ، سماه مكراً مشاكلة لفعلهم ، وتسمية للعقوبة باسم الذنب . هـ . فنزول الرحمة بعد الشدة آية تدل على كمال قدرته . وقد وَرَدَ أنه لما نزل بهم القحط التجأوا إليه صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا محمد إنك جئت تأمر بمكارم الأخلاق ، وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله يغيثنا ، فدعا ، فنزل عليهم الغيث ، فكانت معجزة له عليه الصلاة والسلام ـ . ثم ذكر آية أخرى فقال : { هو الذي يُسيركم } يقدرته { في البَرِّ والبحر حتى إذا كنتم في الفلك } : السفن ، { وجَرَيْنَ بهم } بمن فيهم ، عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة ، كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم ، ففيه التفات . ومقتضى القياس : وجرين بكم { بريح طيبةٍ } : لينة الهبوب ، { وفَرحُوا بها } لسهوله السير بها ، { جاءتها ريحٌ عاصفٌ } أي : شديد الهبوب ، { وجاءهم الموجُ من كل مكانٍ } من كل جهة لهيجان البحر حينئذ ، { وظنوا أنهم أحيطَ بهم } أي : أهلكوا ، أو سُدت عليهم مسالك الخلاص ، كمن أحاط به العدو . قال ابن عطية : ركوب البحر وقت حسن الظن به للجهاد والحج متفق على جوازه ، وكذا لضرورة المعاش بالصيد ويتصرف للتجر ، وأما ركوبه لطلب الدنيا والاستكثار فمكروه عند الأكثر . قلت : ما لم يكن لبلد تجري فيه أحكام الكفار على المسلمين وإلا حرم . ثم قال : وأما ركوبه وقت ارتجاجه فممنوع ، وفي الحديث : " من ركب البحر في ارتجاجه فقد برِئَتْ منه الذمة " وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البحر لا أركبه أبداً " وعن علي كرم الله وجهه أنه قال : لولا هذا الآية ، لضربت عنق من يركب البحر . فقال ابن عباس : إني لأعلم كلمات من قالهُن عند ركوب البحر وأصابه عطب فعليّ ديته ، قيل : وما هي ؟ قال : اللهم يا من له السماوات خاشعة ، والأرضون السبع خاضعه ، والجبال الراسية طائعة ، أنت خير حفظاً وأنت أرحم الراحمين ، { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر : 67 ] صلى الله على محمد النبي المصطفى ، وعلى أهل بيته ، وأزواجه وذريته ، وعلى جميع النبيين والمرسلين ، والملائكة المقربين ، { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ هود : 41 ] . قال بعض الفضلاء : جربته فصح . هـ . ثم قال تعالى في وصف الكفار عند إحاطة البحر بهم : { دعوا الله مخلصين له الدين } من غير إشراك لتراجع الفطرة ، وزوال المعارض من شدة الخوف ، قائلين : { لئن أنجيتنا من هذه } الشدة { لنكونن من الشاكرين } ، { فلما أنجاهم } إجابة لدعائهم { إذ هم يبغون في الأرض } بالكفر والمعاصي ، { بغير الحق } أي : سارعوا إلى ما كانوا عليه من البغي والفساد في الأرض بغير حق ، واحترز بقوله : { بغير الحق } عن تخريب المسلمين ديار الكفرة ، وإحراق زروعهم ، وقلع أشجارهم ، فإنها إفساد بحق . قاله البيضاوي : قلت : وفي كونه بغياً نظر ، والأظهر أن قوله : { بغير الحق } تأكيد لا مفهوم له . { يا أيها الناس إنما بَغْيُكم على أنفسكم } فإن وباله عائد عليكم ، أو على أبناء جنسكم ، وذلك { متاع الحياة الدنيا } تتمتعون به ساعة ، { ثم إلينا مرجعكم } في القيامة { فنُنبئكم بما كنتم تعملون } بالجزاء عليه . الإشارة : وإذا أذقنا الناس حلاوة المعرفة والعلم ، بعد ضرر الجهل والغفلة ، إذا لهم مكر في آياتنا وهم الأولياء والمشايخ ، الذين فتح الله بسببهم عليهم بالطعن عليهم والانتقال عنهم ، كما يفعله بعض المريدين ، أو جُلُّ طلبة العلم ، بنسيان مشايخهم ونسيان العهد إليهم ، قل الله أسرع مكراً بهم ، فيريهم أن الأمداد باقية ، تجري عليهم استدراجاً ، ثم يحبس ذلك عنهم فتيبس أشجار معانيهم ، وتظلم قلوبهم . ثم قال تعالى : { هو الذي يُسيركم } إليه في بر الشريعة ، وبحر الحقيقة ، فيقع السير بينهما ، فإذا كانت الشريعة أقوى نقص له منها وزاد في حقيقته ، وإذا قويت حقيقته نقص له منها إلى شريعته ، هكذا حتى تعتدلا ، فتكمل تربيته ، فإذا ركبوا سفن الأفكار وساروا بأرواحهم في تيار البحار ، فخاضوا بأفكارهم بحار التوحيد وأسرار التفريد ، وجرت أفكارهم في عالم الملكوت بريح طيبة وهي ريح السلوك جاءتها ريح عاصف ، وهي الواردات الإلهية ، تأتي من حضرة القهار ، لا تصادم شيئاً إلا دمغته ، فإذا خافوا على نفوسهم صدمات الجذب او المحْو دََعوا الله مخلصين له الدين ، فلما ردهم إلى السلوك اشتغلوا برياضة نفوسهم بالمجاهدة والمكابدة ، فبغوا عليها كما بغت عليهم في أيام غفلتهم . وبالله التوفيق . ثم حذَّر من زهرة الدنيا ، فقال : { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } .