Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-73)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : وشركاءكم : مفعول معه ، أو بفعل محذوف ، أي : اعزموا أمركم وأجمعُوا شركاءكم ومن قرأ : " اجمَعُوا " بهمزة وصل فشركاءكم : معطوف ، و " غمة " : خفيّا ، وفي الحديث : " فَإنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقدَروا لَهُ " . يقول الحق جل جلاله : { واتل عليهم نبأ نوحٍٍ } أي : خبره مع قومه ، قيل : اسمه عبد الغفار ، وسمي نوحاً لكثرة نَوحه من هيبة ربه ، { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كَبُرَ } أي : عَظُمَ وشقَّ { عليكم مقامي } أي : كوني بين أظهركم ، وإقامتي بينكم مدة مديدة أذكركم بالله ، أو قيامي علّيكم لوعظكم ، أو نفسي ووجودي بينكم ، { وتذكيري } لكم { بآيات الله } أدعوكم بها إلى الله ، { فعلى الله توكلتُ } : وثقت به ، فلا أبالي ببعدكم عني وتخويفكم إياي ، { فأجمعُوا أمرَكم } أي : اعزموا عليه ، { وشركاءَكم } مع شركائكم ، أو وأمر شركائكم ، أو أجْمِعُوا أمركم واتَّفَِقُوا عليه وأجمِعُوا شركاءكم . والمعنى : أنه أمرهم بالعزم والإجماع على قصده ، والسعي في إهلاكه ، على أي وجه يمكنهم لشدة ثقته بالله وعدم مبالاته بهم . { ثم لا يكن أمرُكم } في قصد إهلاكي { عليكم غُمَّة } : مستوراً خفيَّاً ، بل اجعلوه ظاهراً مكشوفاً تتمكنون فيه ، لأن من يكتم أمراً ويخفيه لا يقدر أن يفعل ما يريد ، أو ثم لا يكن حالكم عليكم غمَّاً ، أي : لا يلحقكم غم إذا أهلكتموني وتخلصتم من ثقل مقامي وتذكيري . { ثم اقْضُوا } أي : انفذوا قضاءكم { إليَّ } فيما تريدون . وقرأ السري بن يَنْعَم : " أفضوا " بالفاء وقطع الهمزة ، أي : انتهوا إليَّ بشرِّكم ، { ولا تُنظرون } : ولا تمهلون . { فإن توليتم } : أعرضتم عن تذكيري ، { فما سألتُكم من أجرٍ } يوجب توليكم وإعراضكم لثقله عليكم . واتهامكم إياي لأجله ، أو يفوتني إذا توليتم عني ، { إنْ أجْرِيَ } : ما ثوابي على الدعوة والتذكير { إلا على اللهِ } لا تعلق لي بشيء دونه ، آمنتم أو توليتم ، { وأُمرتُ أن أكون من المسلمين } المنقادين لحكمه ، لا أخالف أمره . ولا أرجو غيره . { فكذّبوه } : فأصروا على تكذيبه بعد إلزامهم الحجة ، وتبين ان توليهم ليس إلا لعنادهم وتمرُّدهم فلا جرَم حقت عليهم كلمة العذاب ، فهلكوا بالغرق ، { فنجيناه ومن } آمن { معه في الفلك } ، وكانوا ثمانين ، { وجعلناهم خلائفَ } عمروا الأرض بعد الهالكين وخلفوهم فيها ، ولم يُعقب منهم إلا أولاد نوح عليه السلام ، { وأغرقنا الذين كذَّبوا بآياتنا } بالطوفان ، { فانظرْ كيف كان عاقبةُ المنذَرين } ، تعظيم لما جرى عليهم ، وتحذير لمن كذب الرسول ، وتسلية له . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا يكون الرجل كامل اليقين حتى يسقط من قلبه خوف المخلوقين ، فلا يبالي بهم ولو أجمعوا على كيده ، إذ ليس بيدهم شيء ، وإنما أمْرهم بيد الله ، ويقول لهم كما قال نوح عليه السلام : { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } . وكما قال هود عليه السلام { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } [ هود : 55ـ 56 ] . وفي الحديث : " لو اجْتَمَعَ الخَلْقُ كَلُهمْ عَلَى أن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيءٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيكَ ، جَفْتِ الأقلامُ وطُويت الصُّحُفُ " . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم " لا يَكمُلُ إيمَانُ العَبدِ حتَّى يَكُون الناسُ عندَه كالأباعد " . يعني لا يهابهم ولا يراقبهم . وبالله التوفيق . ثم ذكر ما بين نوح وموسى عليهم السلام من الأنبياء ، على سبيل الإجمال ، فقال : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } .