Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-92)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : فأتبعهم أي : تبعهم ، يقال : تبع وأتبع لغتان . يقول الحق جل جلاله : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحرَ } أي : جوزناهم في البحر يبساً حتى بلغوا الشط الآخر حافظين لهم . رُوي أن بني إسرائيل حين جاوزوا البحر كانوا ستمائة ألف ، وكان يعقوب عليه السلام قد دخل مصر في نيف وسبعين من ذريته ، فتناسلوا حتى بلغوا وقت موسى العدد المذكور . { فأتْبعهم } : فأدركهم { فرعونُ وجنودُه } ، رُوي أنهم كانوا ثمانمائة ألف أدهم ، سوى ما يناسبها من أواسط الخيل . تبعهم { بغياً وعَدْواً } : باغين وعادين عليهم . مستمراً على بغيه { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتُ أنه } أي : بأنه { لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } ، فآمن حين لا ينفع الإيمان بمعانية الموت ، ومن قال بصحة إيمانه فغلطٌ ، كالحاتمي فإنه قال في الفصوص : إنه من الناجين ، وذلك من جملة هفواته . قال تعالى لفرعون : { الآن } أي : أتؤمن الآن ، وقد أيست من نفسك ، { وقد عَصَيْتَ قَبْلُ } مدة عمرك { وكنتَ من المفسدين } : الضالين المضلين ، { فاليوم نُنَجِّيك } أي : ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ، ونجعلك طافياً على وجه الماء ، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك الناس ، فيتحققوا بغرق من معك حال كونك { ببدنك } عارياً عن الروح ، أو عرياناً بلا لباس ، أو بدرعك ، وكانت له دُروع من ذهب يعرف بها ، وكان مظاهراً بينها . { لتكونَ لمنَ خَلْفِكَ آيةً } : لمن وراءك علامة يعرفون أنك من الهالكين ، والمراد : بنو إسرائيل إذ كان نفوسهم من عظمته ما خيّل إليهم أنه لا يهلك حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه ، إلى أن عاينوه منطرحاً على ممرهم من الساحل ، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل امرك ، فيكون ذلك عبرة ونكالاً للطغْيان ، أوْ حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظيم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور ، بعيد عن مظانِّ الربوبية ، أو آية تدل على كمال قدرته وإحاطة علمه وحكمته ، فإن إفراده بالإلقاء إلى الساحل دون غيره يفيد أنه مقصود لإزاحة الشك في أمره . { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها ، والإخبار بهذا الأخذ الذي وقع في قعر البحر من أعلام النبوة إذ لا يمكن أن يخبر بها إلا عَلاَّم الغيوب الذي لا يخفى عليه شيء ، ولا يخلو منه مكان . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من دخل بحر التوحيد علماً وهو فرعون برؤية نفسه ـ ، ولم يصحب من يغيبُه عنها غرق في بحر الزندقة والدعوى ، فإن رجع إلى الإيمان بعد معاينة الهلاك بسيف الشريعة قيل له : الآن وقد عصيت قبلُ وكنتَ من المفسدين ؟ فإن تاب حقيقة رجى له النجاة ، وإن قتل كان آية ونكالاً لمن خلفه . والله تعالى أعلم . ثم ذكَّشر بني إسرائيل بما أنعم عليهم ، فقال : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } .