Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 88-89)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : اللام في ليُضلوا لام كي ، متعلقة بآتيت محذوفة ، أو بالمذكورة ، ولفظ ربنا تكرار ، أو تكون لام الأمر ، فيكون دعاء عليهم بلفظ الأمر ، بما علم من قرائن أحوالهم أنه لا يكون غيره . { فلا يؤمنوا } : جواب الدعاء أو عطف على ليضلوا . يقول الحق جل جلاله : { وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأهُ زينةً } : ما يتزين به من الملابس والمراكب ، ونحوها ، { وأموالاً } : أنواعاً من المال { في الحياة الدنيا } استدراجاً ، { ربنا } آتيتهم ذلك { ليُضلوا عن سبيلك } طغياناً وبطراً بها ، وصرفها في غير محلها ، أو ربنا اجعلهم ضالين في سبيلك ، كقول نوح عليه السلام { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } [ نوح : 24 ] لما أيس من إيمانهم ، { ربنا اطمسْ على أموالهم } أي : أهلكها وامحقها ، { واشْدُدْ على قلوبهم } بالقسوة ، واطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان ، { فلا يؤمنوا حتى يَرَوا العذابَ الأليم } أي : إن تطمس على أموالهم وتشدد على قلوبهم لا يؤمنوا إلا قهراً . وفي الآية دليل على جواز الدعاء على الظالم بالمعصية ، أو الكفر ، وقد فعله سعد بن أبي وقاص على الذي شهد فيه بالباطل ، ووجْهُ جوازه مع استلزامه وقوع المعاصي : أنه لم يُعتبر من حيث تاديته إلى المعاصي ، ولكن من حيث تأديته إلى نِكاية الظالم وعقوبته ، وهذا كما قيل في تمني الشهادة أنه مشروع ، وإن كان يؤدي إلى قتل الكافر للمسلم ، وهو معصية ووهن في الدين ، ولكن الغرض من تمنى الشهادة ثوابُها ، لا نفسها . { قال } تعالى : { قد أجيَبت دعوتُكما } يعني موسى وهارون ، وكان يُؤمِّن على دعاء أخيه ، { فاستقيما } أي : اثبتا على ما أنتما عليه من الاستقامة والدعوة وإلزام الحجة ، ولا تستعجلا ، فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته ، روي أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة ، { ولا تتبعانِّ سبيلَ الذين لا يعلمون } : طريق الجهلة في استعجال الأشياء قبل وقتها ، أو في عدم الوثوق والاطمئنان بوعدنا ، وقرأ ابن ذكوان : " ولا تتبعان " بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين ، وهو قليل ، قال ابن مالك : @ وَلم تَقَعْ خَفِيفَةٌ بَعدَ الأَلفْ @@ ويحتمل أن تكون نون الرفع ، و " لا " نافية ، أي : والأمر لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون . الإشارة : دعاء الأولياء على الظالم مشروع بعد الإذن الإلهامي على ما يفهمونه ، وقد مكث الشيخ أبو الحسن سنين لم يدع على ابن البراء حتى كان سنة في عرفة ، فقال : الآن أًذن لي في الدعاء على ابن البراء … الخ فإن لم يكن إذن فالصبر أوْلى ، بل الأولى الدعاء له بالهداية ، حتى يأخذ الله بيده وهذا مقام الصديقين ، فإذا وقع الدعاء مطلقاً وتأخرت الإجابة فلا يستعجل ، فيكون تبع سبيل الذين لا يعلمون ، وفي الحكم : " لا يكن تأخرُ أمدِ العطاءِ مع الإلحاحِ في الدعاء موجباً ليأسك ، فقد ضمن لك الإحابة فيما يختار لك لا فيما تختار أنت لنفسك ، وفي الوقت الذين يريد ، لا في الوقت الذي تريد " ، وقال أيضاً : " لا يشككنَّك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قَدْحاً في بصيرتك ، وإخماداً لنور سريرتك " وبالله التوفيق . ثم أجاب دعاءهما ، فقال : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } .