Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 15-16)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " ما صنعوا فيها " : الضمير يعود على الدنيا ، والظرف يتعلق بصنعوا . أو يعود على الآخرة ، ويتعلق الظرف بحبط ، أي : حبط في الآخرة ما صنعوا من الأعمال في الدنيا . يقول الحق جل جلاله : { من كان يريد } بعمله { الحياةَ الدنيا وزينتَها } ، فكان إحسانه وبره رياء وسمعَة ، { نُوفّ إليهم أعمالَهم فيها } أي : نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا ، من الصحة والرئاسة ، وسعة الأرزاق ، وينالُون ما قصدوا من حمد الناس ، وإحسانهم وبرهم ، { وهم فيها لا يُبخسون } لا يُنقصون شيئاً من أجورهم ، فيحتمل : أن تكون الآية نزلت في أهل الرياء من المؤمنين الذين يراؤون بأعمالهم كما ورد في حديث الغازي والغني القارئ المرائين ، وأنهم أول من تُسعر بهم جهنم . ويحتمل أن تكون نزلت في الكفار ، وهو أليق بقوله : { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النارُ } لأنهم استوفواما تقضيه صور أعمالهم الحسنة ، وبقيت لهم أوزار العزائم السيئة . { وحَبِطََ ما صنعوا فيها } أي : في الدنيا فكل ما صنعوا في الدنيا من الإحسان حبط يوم القيامة لأنهم لم يريدوا به وجه الله . والعمدة في انتظار ثواب الأعمال هو الإخلاص ، { وباطلٌ ما كانوا يعملون } لأنه لم تتوفر فيه شروط الصحة التي من جملتها الإخلاص . الإشارة : في الحديث " مَن كَان الدُّنيا هَمَّه : فَرَّق اللَّهُ عَليْهِ أَمْرَهُ ، وجَعَل فَقْرَه بَينَ عَينَيه ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيا إلا ما قُسِمَ له . ومن كَانت الآخرةُ نيته : جمعَ اللَّهُ عَليه أَمْرَه ، وجَعَل غَناهُ في قَلبِه ، وأَتتهُ الدُّنيا وهِي صَاغِرة " . قلت : ومن كان الله همه كفاه هَم الدارين . فطالبُ الدنيا أسير ، وطالب الآخرة أجير وطالب الحق أمير . فارفع همتك أيها العبد عن الدار الفانية ، وعلق قلبك بالدار الباقية ، ثم ارفعها إلى شهود الذات العالية ، ولا تكن ممن قصرَ همته على هذه الدار فتكن ممن ليس له في الآخرة إلا النار . وحصّن أعمالك بالإخلاص ، وإياك وملاحظة الناس فتبوأ بالخيبة والإفلاس ، وبالله التوفيق . ثم ذكر ضد من تقدم ، فقال : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } .