Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 12-14)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فلعلك تارك بعضَ ما يُوحى إليك } ، فلا تبلغه وهو ما فيه تشديد على المشركين ، مخافة ردهم واستهزائهم به . ولا يلزم من توقع الشيء وقوعه . فالعصمة مانعة من ذلك . فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك شيئاً من الوحي إلا بلغه ، ولكن الحق تعالى شجعه وحرضه على التبليغ في المستقبل . ولو قوبل بالإنكار . ثم قال له : { وضائق به صدرُكَ } أي : ولعله يعرض لك في بعض الأحيان ضيق في صدرك ، فلا تتلوه عليهم مخافة { أن يقول لولا أُنزل عليه كنز } ينفقه للاستتباع كالملوك ، أو يستغني به عن طلب المعاش ، { أو جاء معه ملكٌ } يشهد له ، والقصد تسليته صلى الله عليه وسلم عن قولهم ، حتى يُبلغ الرسالة ولا يبالي بهم . وإنما قال : { ضائق } ليدل على اتساع صدره صلى الله عليه وسلم ، وقلة ضيقه في الحال . { إنما أنت نذير } ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ، ولا عليك ردوا أو اقترحوا ، فلا يضيق صدرك بذلك . { والله تعالى على كل شيء وكيل } فتوكل عليه ، فإنه عالم بحالهم ومجازيهم على أقوالهم وأفعالهم . { أَمْ } بل { يقولون افتراه } أي : ما يوحى إليه ، { قل } لهم : { فأتوا بعشر سُورٍ مثِلهِ } في البيان وحسن النظم . تحداهم أولاً بعشر سور ، فلما عجزوا سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة . وتوحيد المثل باعتبار كل واحد . { مُفتريات } مختلفات من عند أنفسكم ، إن صح أني اختلقته من عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي . { وادعوا من استطعتم من دون الله } للمعاونه على المعارضة ، { إن كنتم صادقين } أنه مفترى . { فإن لم يستجيبوا لكم } فإن عجزوا عن الإتيان ، { فاعلموا } أيها الرسول المؤمنون { إنما أُنزل بعلم الله } بإذنه ، أو بما لا يعلمه إلا الله من الغيوب . والمعنى : دوموا على إيمانكم ، وزيدوا يقيناً فيه . قال البيضاوي : وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لأن المؤمنين كانوا يتحدونهم ، فكان أمر الرسول عليه الصلا ة والسلام متناولاً لهم من حيث إنه يجب اتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل . أو للتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم . ولذلك رتب عليه قوله : { فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله } ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله ، لأن العالم والقادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره . { وأن لا إله إلا هو } لظهور عجز آلهتهم . { فهل أنتم مسلمون } ؟ ثابتون على الإسلام ، راسخون مخلصون فيه ، إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقاً . ويجوز أن يكون الكل خطاباً للمشركين ، والضمير في { يستجيبوا } لمن استطعتم ، أي : فإن لم يستجيبوا لكم ، أي : من استعنتم به على المعارضة لعجزهم ، وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة ، { فاعلموا } أنه نظم لا يعلمه إلا الله وأنه منزل من عنده ، وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق ، فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة ؟ وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه معنى الطلب ، والتنبيه على قيام الموجب ، وزوال العذر . هـ . وقال في الوجيز : فإن لم يستجيبوا لكم من تدعون إلى المعاونة ، ولا تهيأ لكم المعارضة ، فقد قامت عليكم الحجة ، { فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } أي : أنزل والله عالم بإنزاله ، وعالم أنه من عنده ، { فهل أنتم مسلمون } ؟ استفهام ، معناه الأمر ، كقوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] . هـ . الإشارة ينبغي لأهل الوعظ والتذكير أن يعمموا الناس في التذكير ، ولا يفرقوا بين أهل الصدق ، وأهل التنكير . يل ينصحوا العباد كلهم ، ولا يتركوا تذكيرهم ، ومخافة الرد عليهم ، ولا تضيق صدورهم بما يسمعون منهم ، اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وقد قال لقمان لابنه حين أمره بالتذكير { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُور } [ لقمان : 17 ] ، فإن طلبوا من المذكر الدليل فليقل : إنما أنا نذير ، والله على كل شيء وكيل : فإن قالوا : هذا الذي تذكر كلنا نعرفه ، فليقل : فأتوا بسورة من مثله ، أو بعشر سور من مثله . والله تعالى أعلم . ولا ينفع الوعظ والإنذار إن كانت همته كلها مصروفة للدنيا ، كما قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } .