Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 36-39)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وأوحي إلى نوح انه لم يؤمن من قومك } بعد هذا { إلا من قد آمن } قبل ، وكان هذا الوحي بعد ان مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى : فكان الرجل منهم يأتيه بابنه ، ويقول : يا بُني لا تصدق هذا الشيخ ، فهكذا عَهد إليَّ أبي وجَدّي . فلما نزل الوحي وأيس من إيمانهم دعا عليهم . وقال له تعالى { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] . قال له تعالى : { فلا تبْتئسْ } : تحزن وتغتم { بما كانوا يفعلون } من التكذيب والإيذاء ، أقنطه أولاً من إيمانهم ، ونهاه أن يغتم لأجلهم . ثم أمره بصنع السفينة ، فقال : { واصنع الفلكَ بأعيُننا } بحفظنا ورعايتنا ، أو بمرأى منا ومسمع غير محتاج إلى آلة حفظ وحرس ، { ووحينَا } إليك ، كيف تصنعها ، رُوي أنه لما جهل صنعها أوحى الله إليه : أن اصنعها على مثال جُؤجؤ الطائر . وروي أيضاً : انها كانت مريعة الشكل ، طويلة في السماء ، ضيقة الأعلى ، وأن المراد منها إنما كان الحفظ ، لا سرعة المشي ، والأول أرجح : أعني : على صورة ظهر الطائر . قال في الأساس : عملت سفينة نوح عليه السلام من ساج ، وهو خشب أسود ، رزان ، لا تكاد الأرض تبليه ، من الهند . هـ . وفي رواية أخرى : صنعها نوح عليه السلام ، وجبريل يصف له ، فكان أسفلها كأسفل السفن وأعلاها كالسقف ، وداخلها كالبيت ، ولها أبواب في جوانبها . هـ . ثم إن نوحاً عليه السلام لما تحقق هلاك قومه ، رق عليهم ، فَهَمَّ ان يُراجع الله في شأنهم ، فقال له تعالى : { ولا تخاطبني } ولا تراجعني { في الذين ظلموا } ، ولا تدع باستدفاع العذاب عنهم { إنهم مُغرقون } : محكوم عليهم بالغرق لا محالة . فلا سبيل إلى كفه . { ويصنعُ الفلكَ } ، حكي ما وقع بصيغة الحال استحضاراً لتلك الحال العجيبة ، { وكلمَّا مرَّ عليه ملأٌ } : جماعة { من قومه سَخرُوا منه } : استهزؤوا به : لأنه كان يعمل السفينة في برية بعيدة من الماء . أو أن عزته تنفي صنعته ، فكان يضحكون منه ، ويقولون له : صرت نجاراً بعد أن كنت نبياً . { قال } لهم : { إنْ تسخروا منا فإنا نسخرُ منكم كما تسخرون } ، فنسخر منكم حين يأخذكم في الدنيا الغرق ، وفي الآخرة الحرق . { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه } ، وهو : الغرق ، والحرق بعده . { ويَحِلُّ } أي : ينزل { عليه عذاب مقيمٌ } : دائم ، وهو النار يوم القيامة . الإشارة : إذا تحقق الولي بإعراض الخلق عنه ، وأيس منهم أن يتبعوه ، فلا يحزن ، ولا يغتم منهم ، ففي الله غنى عن كل شيء ، وليس يُغني عنه شيء . وفي إعراض الخلق راحة لقلب الولي ولبدنه ، فإذا سخروا منه فليقل في نفسه : إن تسخروا منا اليوم ، فنسخر منكم حين تحقق الحقائق ، فيرتفع المقربون ، وينسفل الباطلون ، وكان شيخ أشياخنا سيدي علي العمراني رضي الله عنه كثيراً ما يقول : ليت القيامة قامت ، حتى يظهر الرجال من غيرهم . أو ما هذا معناه . ثم ذكر مبدأ الطوفان ، فقال : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } .