Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 53-57)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : إن نقول إلا اعتراك : الاستثناء مفرغ ، و " اعتراك " : مقول لقول محذوف ، أي : ما نقول إلا قولنا اعتراك ، وما من دابة : " ما " نافية ، و " من " صلة و " دابة " مبتدأ مجرور بمن الزائدة ، وجملة إلا هو آخذ : خبر . يقول الحق جل جلاله : قالوا يا هود ما جئتنا ببينة بمعجزة واضحة تدل على صدق دعواك ، وهذا كذب منهم وجحود لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات . وفي الحديث : " ما مِنْ نَبي إلاَّ أُوتي من المعجزات ما مثلُهُ آمنَ عَليه البشَرُ ، وإَنَّما كَانَ الذِي أُوتيتُه وحياً أُوحي إلي ، فأرجُوا أن أكُون أكثرهم تَابِعاً يوم القِيَامةِ " . كما في الصحيح . ويحتمل أن يريدوا : ما جئتنا بآية تضطر إلى الأيمان بك ، وإن كان قد أتاهم بآية نظرية . ولم يذكر في القرآن معجزة معينة لهود عليه السلام ، مع الاعتقاد أنه لم يخل من معجزة لما في الحديث . ثم قالوا : { وما نحن بتاركي آلهتنا } بتاركي عبادتهم { عن قولك } أي : بسبب قولك أو صادرين عن قولك ، { وما نحن لك بمؤمنين } أبداً ، وهو إقناط له عن الإجابة والتصديق . { إن نقول إلا اعتراك } أصابك { بعض آلهتنا بسوء } بجنون لما سببْتها ، ونهيت عن عبادتها ، ولذلك صرت تهذو وتتكلم بالخرافات . { قال } هود عليه السلام : { إني أُشهد الله } على براءتي من شرككم ، { واشهدوا أني بريء مما تُشركون من دونه فكيدوني } أي : اقصدوا كيدي وهلاكي ، { جميعاً } ، أنتم وشركاؤكم ، { ثم لا تنظرون } لا تؤخرون ساعة . وهذا من جملة معجزاته ، فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة ، والفتاك العِطاش إلى إراقة دمه ، بهذا الكلام ، ليس إلا لتيقنه بالله ، ومنعُهم من إضراره ليس إلا لعصمته إياه . ولذلك عقبه بقوله : { إني توكلتُ على الله ربي وربكم } ، فهو تقرير له . والمعنى : أنكم وإن بذلتم غاية وسعكم لم تضروني فإني متوكل على الله ، واثق بكلاءته ، وهو مالكي ومالككم ، لا يحيق بي ما لم يُرده ، ولا تقدرون على ما لم يُقدره . ثم برهن عليه بقوله : { ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها } : إلا وهو مالك لها ، قادرٌ عليها ، يصرفها على ما يريد بها . والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك . قاله البيضاوي . وقال ابن جزي : أي : هي في قبضته وتحت قهره ، وهذه الجملة تعليل لقوة توكله على الله ، وعدم مبالاته بالخلق . هـ . { إن ربي صراط مستقيم } أي : إنه على الحق والعدل ، ولا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم . وقال في القوت : أخبر عن عدله في محله ، وقيام حكمته ، وأنه وإن كان آخذاً بنواصي العباد في الخير والشر ، والنفع والضر لاقتداره ، فإن ذلك مستقيم في عدله ، وصواب من حكمه . هـ . { فإن تولَّوا } أي : فإن تتولوا وتُعرضوا عما جئتكم به ، { فقد أبلغتُكم ما أرسلتُ به إليكم } . أي : فقد أديت ما عليّ من الإبلاغ ، فلا تفريط مني ، ولا عذر لكم فقد جاءكم النذير ، وقامت الحجة عليكم ، وما بقي إلا هلاككم . { ويستخلفُ ربي قوماً غيركم } يسكنون دياركم ، ويعمرون بلادكم ، فإن عتوا وطغوا سلك بهم مسلككم ، { ولا تضرونَه } بتوليكم عن الإيمان به ، { شيئاً } من الضرر . أو لا تضرونه شيئاً إذا أهلككم واستخلف غيركم ، { إن ربي على كل شيء حفيظٌ } رقيب فلا يخفى عليه أعمالكم ، ولا يغفل عن مجازاتكم . أو حافظ مستول عليه ، فلا يمكن أن يضره شيء . قاله البيضاوي . الإشارة : ما يقال للأولياء إلا ما قيل للرسل ، فإذا توجه العبد إلى مولاه ، وسقط على من هو أهل للتربية ، وترك ما كان عليه قبل من الانتساب إلى غيره ، وخرق عوائد نفسه ، أو إصابة شيء من المكاره ، قال الناس : ما اعتراه إلا بعض الصالحين بسوء ، فيقول لهم : إني أُشهد الله ، واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه . فإن أجمعوا على إضراره أو قتله قال لهم : فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون . { إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } ، وأنتم دواب مقهورون تحت قبضة الحق ، { إن ربي على صراط مستقيم } لا ينتقم إلا من أهل الانتقام ، " من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب " ، فإن ذكرهم بالله ودلهم على الطريق ، فكذبوه وأعرضوا عنه ، قال : عسى أن يذهب بكم ، ويستخلف قوماً غيركم ، يكونون متوجهين إليه أكثر منكم ، ولا تضرونه شيئاً . وبالله التوفيق . ثم ذكر نزول العذاب الذي وعدهم به ، فقال : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } .