Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 58-60)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : إنما قال هنا وفي قصة شعيب : ولما ، بالواو ، وفي قصة صالح ولوط : فلما ، بالفاء لأن قصة صالح ولوط ذكرهما بعد الوعيد ، في الفاء التي تقتضي التسبب ، كما تقول : وعدته فما جاء الوعيد كان … الخ ، بخلاف قصة هود وشعيب لم يتقدم ذلك فيهما ، فعطف بالواو ، قاله الزمخشري . يقول الحق جل جلاله : { ولما جاء أمرُنا } : عذابنا ، أو أمرنا بالعذاب ، { نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا } ، وكانوا أربعة آلاف ، { ونجيناكم من عذابٍ غليظ } ، وهو ريح السموم ، وكانت تدخل أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطع أمعاءهم . والتكرير لبيان ما نجاهم منه ، وإعلاماً بأنه عذاب غليظ ، وتعديداً للنعمة في نجاتهم . ويحتمل أن يريد النجاة الأولى : من عذاب الدنيا ، وهو الريح الذي نزل بقومهم ، وبالنجاة الثانية : عذاب الآخرة ، وهو العذاب الغليظ ، ولذلك عطفه على النجاة الأولى التي أراد بها النجاة من الريح . { وتلك عادٌ } الإشارة إلى القبيلة ، أو إلى قبورهم وآثارهم تهويلاً وتهديداً ، { جحدوا بآيات ر بهم } كفروا بها ، { وعَصوا رسله } ، والجمع إما لأنَّ من عصى رسولاً فكأنما عصى الكل لأنهم متفقون في الدعوة ، مع أنهم أُمروا بطاعة كل رسول . وإمَّا على إرادة الجنس كقولك : فلان يركب الخيل ، وإن يركب إلا فرساً واحداً . { واتبعوا أمرَ كل جبارٍ عنيد } يعني : كبراءهم الطاغين ، والعنيد : الطاغي ، والمعنى : عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم ، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم ، { وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنةً ويومَ القيامة } أي : جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين في الدنيا أهلكتهم ، وفي الآخرة أحرقتهم . { ألا إن عاداً كفروا ربَّهم } جحدوه ، أو كفروا نعمه . وفيه تشنيع لكفرهم وتهويل لأمرهم ، بالإتيان بحرف التنبيه ، وتكرار اسم عاد { ألا بعداً لعادٍ } أي : هلاكاً لهم ، دعا عليهم بالهلاك بعد أن هلكوا للدلالة على أنهم كانوا مستحقين له ، مستوجبين لما نزل بهم بسبب ما حكي عنهم . وإنما كرر " ألا " وأعاد ذكرهم تفظيعاً لأمرهم ، وحثاً على الاعتبار بحالهم . ثم بيَّنهم بقوله : { قوم هود } . فهو عطف بيان لعاد ، وفائدته : تمييزهم عن عاد الثانية التي هي عاد إرم ، والإيمان إلى استحقاقهم للبعد ، بما جرى بينهم وبينه . قاله البيضاوي . الإشارة : من أراد سلامة الدارين والظفر بقرة العين ، فليتمسك بالإيمان بالله ، وبكل رسول أتى من عند الله ، وليتبع من يدعو إلى الله . وهم أهل المحبة والوداد ، السالكون مناهج الرشاد والسداد . وليتجنب كل جبار عنيد ، وهو : كل من يحول بينك وبين الله ، ويغفلك عن ذكر الله . وقوله تعالى : أَلا بُعداً لعاد وأخواتها ، فيها تخويف لأهل القرب والوصال . قال في الإحياء : ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ، ليست لغيرهم ، وبعض مخاوفهم أشد من بعض ، فأولها : خوف الإعراض ، وأشد منه : خوف الحجاب ، وأشد منه خوف الإبعاد ، وهذا المعنى من سورة هود هو الذي شيب سيد المحبين ، أنه سمع : ألا بُعداً لعاد ، ألا بُعداً لمدين ، وإنما تعظم هيبةُ البُعد وخوْفُه في قلب من ألف القرب وذاقه ، وتنعَّم به . ثم قال : ثم خوف الوقوف وسلب المزيد ، فإنا قَدَّمنا : أن درجات القرب لا نهاية لها . هـ . ثم ذكر قصة صالح عليه السلام ، فقال : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } .