Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-73)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " سلاماً " : منصوب على المصدر ، أي : سلمنا سلاماً . ويجوز نصبه بقالوا لتضمنه معنى ذكروا . قال سلام : إما خبر ، أي : أمرنا سلام ، أو جواب سلام ، وإما مبتدأ ، أي : عليكم سلام . وكسر السين : لغة ، وإنما رفع جوابه ليدل على ثبوت سلامة فيكون قد حياهم بأحسن مما حيوه به . فما لبث أن جاء . " ما " : نافية و " أن جاء " : فاعل " لبث " . ونكر وأنكر بمعنى واحد . والإيجاس : الإدراك أو الإضمار . ومن وراء إسحاق يعقوب : من قرأ بالنصب فبفعل دل عليه الكلام ، أي : ووهبنا لها يعقوب . ومن رفعه فمبتدأ ، أي : ويعقوب مولود من بعده . وشيخاً : حال ، والعامل فيه : الإشارة ، أي : أشير إليه شيخاً . وأهل البيت : نصب على المدح والاختصاص ، أو على النداء . يقول الحق جل جلاله : { ولقد جاءت رسُلنا إبراهيمَ } ، وهم الملائكة ، وقيل : ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل . وقيل : تسعة جاؤوه { بالبُشرى } بالولد . فلما دخلوا عليه { قالوا سلاماً } أي : سلمنا عليك سلاماً ، أو ذكروا سلاماً ، { قال سلام } أي : عليكم سلام ، { فما لبثَ } أي : أبطأ ، { أن جاء بعجل حَنيذ } مشوي بالرضف ، أي : بالحجر المحمي . وقيل : حنيذ بمعنى يقطر ودكه . كقوله : { بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [ الذاريات : 26 ] ، فامتنعوا من أكله ، { فلما رأى أيديَهم لا تصل إليه } لا يمدون إليه أيديهم ، { نَكرهم } أي : أنكر ذلك منهم ، { وأوجس } : أدرك ، أو أضمر { منهم خفيةً } أي : خوفاً ، خاف أن يريدوا به مكروهاً لامتناعهم من طعامه ، وكان من عادتهم إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه ، وإلا خافوه . والظاهر أنه أحسَ بأنهم ملائكة ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه فأمنوه ، وقالوا : { لا تخفْ إنا } ملائكة { أرسلنا إلى قوم لوطٍ } لنعذبهم ، وإنما لم نأكل طعامك لأنا لا نأكل الطعام . { وامرأته قائمة } من وراء ستر تسمع محاورتهم ، أو على رؤوسهم للخدمة ، { فضحكتْ } سروراً بزوال الخيفة ، أو بهلاك أهل الفساد ، أو بإصابة رأيها ، فإنها كانت تقول لإبراهيم : اضمم إليك لوطاً ، فإني لأعلم أن العذاب نازل بهؤلاء القوم . وقيل : معنى ضحكت : حاضت . يقال : ضحكت الشجرة : إذا سال صَمغُها . وقيل : ضحكت سروراً بالولد الذي بُشرت به . فيكون في الكلام تقديم وتأخير ، أي : فبشرناها فضحكت ، وهو ضعيف . قال تعالى { فبشرناها بإسحاقَ ومن وراء إسحاق يعقوبَ } ولد ولدها . وتوجيه البشارة إليها لأنه من نسلها ، ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد ، { قالت يا ويلتا } يا عجباً ، وأصله في الشر ، فأطلق على كل أمر فظيع . وقرئ بالياء على الأصل ، أي : يا ويلتي { أألدُ وأنا عجوزٌ } ابنة تسعين ، أو تسع وتسعين { وهذا بَعْلِي } : زوجي ، وأصله : القائم بالأمر ، { شيخاً } ابن مائة أو مائة وعشرين سنة ، { إنَّ هذا لشيء عجيب } يتعجب منه لكونه نشأ الولد من هرمين . وهو استغرب من حيث العادة ، لا من حيث القدرة ، ولذلك قالوا : { أتعجبينَ من أمر الله } منكرين عليها ، فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ، ومهبط الوحي ومظهر المعجزات . وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع ، ولذلك قالوا : { رحمةُ الله وبركاته عليكم أهل البيت } أي : بيت إبراهيم ، فلا تستغرب ما يظهر منهم من خوارق العادات ، ولا سيما من نشأت وشابت في ملاحظة الآيات ، { إنه } تعالى { حميدٌ } فاعل ما يستوجب به الحمد ، أو محمود على كل حال { مجيد } كثير الخير والإحسان . أو ممجَّد بمعنى العلو والشرف التام . قال ابن عطية هنا : إن في الآية دليلاً على ان الذبيح إسماعيل لا إسحاق . وفيه نظر . وسيأتي في سورة الصافات ما هو الحق ، إن شاء الله تعالى . الإشارة : من شأن أهل الكرم والامتنان : المبادرة إلى من أتاهم بالبر والإحسان إما بقوت الأرواح ، أو بقوت الأشباح . من أتاهم لقوت الأرواح بادروه بإمداد الروح من اليقين والمعرفة ، ومن أتاهم لقوت الأشباح بادروه بالطعام والشراب ، كُلاً ما يليق به ، ومن شأن الضيف اللبيب المبادرة إلى أكل ما قُدِّمَ إليه ، من غير اختبار ، إلا لمانع شرعي أو عادي . ومن شأن أهل التحقيق والتصديق ألا يتعجبوا مما يظهر من القدرة من الخوارق إذ القدرة صالحة لكل شيء ، حاكمة على كل شيء ، هي تحكم على العادة ، لا العادة تحكم عليها . وهذا شأن الصديقين لا يتعجبون من شيء ولا يستغربون شيئاً ، ولذلك توجه الإنكار إلى سارة من الملائكة ، ولم يتوجه إلى مريم حيث سألت استفهاماً ، ولم تتعجب ، ووصفت بالصديقية دون سارة . والله تعالى أعلم . ولما تحقق إبراهيم عليه السلام بهلاك قو لوط أسف عليهم ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } .